للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولُهُ في حديث عائشة: يتوضَّأُ وضوءَه للصَّلاةِ. فيحتملُ أنها أرادت: بدأ بمواضِع الوُضوء. والدليلُ على ذلك أنه ليس في شيءٍ من الآثارِ الواردة عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غُسْل الجنابة، أنه أعادَ غَسْلَ تلك الأعضاء، ولا إعادة المَضمضة، ولا الاستنشاق. وأجمَع العلماءُ على أنَّ ذلك كُلَّه لا يُعاد؛ مَن أوجَبَ منهم المَضْمَضَةَ والاستنشاق، ومَن لم يُوجِبْهما. وقد مَضَى القولُ في ذلك في باب زيدِ بنِ أسْلَم، والحمدُ للَّه (١).

واختلفَ قولُ مالك في تَخْليلِ الجُنُب لحيتَه في غُسْلِه من الجَنَابة؛ فروى ابنُ القاسم عنه أنه قال: ليس ذلك عليه. وروى أشهَبُ عنه أن عليه تخليلَ لحيتِه من الجنابة (٢).

قال ابنُ عبد الحَكَم: وهو أحبُّ إلينا؛ لأنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُخلِّلُ شَعرَه في غُسْلِ الجَنابة. واختلافُ الفُقهاء في ذلك على هذين القَوْلين، وفي حديث عائشةَ هذا ما يَشهدُ لصحةِ قَوْل مَن رأى التَّخليلَ؛ لأنَّ قولها فيه: فيُدخِلُ أصابعَه في الماء، فيُخلِّلُ بها أصولَ شَعَرِه: يَقْتَضي عمومُه شعرَ لحيتِهِ ورأسِهِ، وإن كان الأظهَرُ فيه شَعَرَ رأسِه، واللَّهُ أعلم.


= وأخرجه الطيالسي في مسنده (٢٨٥١)، وأحمد في المسند ٥/ ١٦ (٢٨٠٠) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، به. وإسناده ضعيف لضعف شعبة: وهو ابن دينار الهاشمي، مولى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وباقي رجال الإسناد ثقات.
وحديث ابن عمر عند أبي داود (٢٤٧) عن قتيبة بن سعيد عن أيوب بن جابر، به. وإسناده ضعيف لضعف أيوب بن جابر: وهو ابن سيّار السُّحيمي، وعبد اللَّه بن عصم ويقال عِصْمة الحنفي صدوق حسن الحديث كما في تحرير التقريب (٣٤٧٦).
(١) سلف ذلك في الحديث التاسع له عن عطاء بن يسار.
(٢) ينظر ما نقله ابن القاسم عن مالك في هذا: المدوّنة ١/ ١٢٥، ٤٤٢، وما نقله أشهب عنه: البيان والتحصيل ١/ ٥٩ - ٦٠، لابن رشد، وقد ذكر فيه توجيه الروايتين المنقولتين عن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>