للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا أبو حنيفةَ وأصحابُه فمذهبُهم في هذه المسألة اعتبارُ أقلِّ الطُّهرِ وأقلِّ الحيض؛ فأما أبو يوسُف (١) فاعتبَر أقلَّ الطُّهر خمسةَ عشَرَ يومًا، وجعَله كدم متَّصل، وأما محمدُ بنُ الحسن (٢) فاعتبَر مقدارَ الدم والطُّهر؛ فإذا كان بينَ الدَّمَين من الطُّهر أقلُّ من ثلاثةِ أيام، فإن ذلك كلَّه كدمٍ متَّصل، سواءٌ كان الحيضُ أكثرَ أو الطُّهرُ أكثرَ؛ نحوَ أن تَرى يومًا حيضًا أو يومين، ويومين طُهرًا، وساعةً دمًا، فيكون جميعُ ذلك حيضًا.

وقال أبو جعفر الطحاويُّ (٣): قد اتفقوا أنه لو انقطَع ساعةً أو نحوَها أنه كدم متصل، فكذلك اليومَ واليومين؛ لأنه لا يُعتدُّ به من طلاق.

وقد قال أبو الفرج: ليس بنكير أن تَحيضَ يومًا وتطهُرَ يومًا فتتقطَّعَ الحيضةُ عليها، كما لا يُنكرُ أن يتأخَّرَ حيضُها عن وقتِه؛ لأن تأخيرَ بعضِه عن اتصالِه كتأخيرِه كلِّه، فمن أجل ذلك كانت بالقليل حائضًا، ثم لم يكن القليلُ حيضة؛ لأنَّ الحيضةَ لا تكونُ إلا بأنْ يمضيَ لها وقتٌ تامٌّ وطُهرٌ تامٌّ، أقلُّه فيما روَى عبدُ الملك خمسةُ أيام، قال: ولو أن قلّة الدم يُخرِجُه من أن يكونَ حيضًا، لأخرجَتْه من أن تكونَ استحاضةً؛ لأنَّ دمَ العرْق هو الكثيرُ الزائدُ على ما يُعرَفُ.

قال أبو عُمر: راعَى عبدُ الملك (٤) وأحمدُ بنُ المعذَّل في هذه المسألة ما أصَّلاه في أقلِّ الطُّهر خمسةَ أيام، وراعى محمدُ بنُ مسلمةَ خمسةَ عشَرَ طُهرًا، وجعل كلَّ ما يأتي من الدم قبلَ تمام الطُّهر عِرقًا لا تُترَكُ فيه الصلاة، وكذلك يلزَمُ كلَّ مَن


(١) نقله عنه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٧٠، وينظر: المبسوط للسرخسي، ٣/ ٢١٧، وبدائع الصنائع للكاساني ٣/ ١٩٨.
(٢) نصَّ على ذلك في كتابه الأصل المعروف بالمبسوط ١/ ٥١٥ - ٥١٧.
(٣) في مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٧٠.
(٤) هو ابن عبد العزيز ابن الماجشون، تلميذ الإمام مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>