للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسُلِه، لا يكلِّمُ به أحدٌ من الأنبياء أحدًا من الناس، ولكنه يكونُ سرَّ غيبٍ بين اللَّه وبين رسُله، ومنه ما يتكلَّمُ به الأنبياء ولا يكتبونه، ولكنهم يُحدِّثون به الناسَ ويأمرونَهم بكتابِه ويُبيِّنون لهم أنّ اللَّه أمرَهم أن يُبيِّنوه للناس، ويُبلِّغوهم إيّاه.

ومنَ الوحْي ما يُرسل اللَّهُ مَنْ يشاءُ من ملائكتِه فيُوحِيه وحيًا في قلوب مَنْ يشاءُ من رُسُله، وقد بيَّن لنا في كتابه أنّه كان يُرسل جبريلَ إلى محمد -عليهما السّلام- فقال في كتابه: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ٩٧]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥].

وأما قولُه: "فيَفْصِمُ عنّي"، فمعناه: ينْفَرجُ عنّي ويذهَبُ، كما تفْصِمُ الخَلْخالَ إذا فتحْتَهُ لتُخرِجَه من الرِّجْل، وكلُّ عُقْدةٍ حللْتَها فقد فَصَمْتَها؛ قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٥٦]. وانفصامُ العُروة: أن تنفَكَّ عن موضِعِها، وأصلُ الفصْم عندَ العرب: أن يُفَكَّ الخَلْخالُ ولا يَبِينَ كسرُهُ، فإذا كَسَرتَهُ، فقد قَصَمْتَه، بالقاف. قال ذو الرُّمَّة (١):

كأنَّه دُمْلُجٌ من فضّةٍ نَبَهٌ ... في ملْعَبٍ مِنْ عَذَارى الحَيِّ مفْصُومُ


(١) ديوانه، ص ٩٢.
وقوله: "ودُمْلُجٌ من فضّةٍ" هو السِّوار منه.
وقوله: "نَبَهٌ" النَّبَهُ: الضالَّةُ توجد من غير طَلَبٍ غفْلَةً. والبيت في وصف غزالٍ شبَّهه وهو نائمٌ بسوار فضَّةٍ قد طُرح ونُسِيَ، وكلُّ شيءٍ سقط من إنسانٍ ولم يهتدِ له فهو نَبَهٌ، وإنما جعله مفصومًا لتثنِّيه وانحنائه إذا نام. ينظر: اللسان (فصم) و (نبه).

<<  <  ج: ص:  >  >>