للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ الشمسَ إذا كسَفت بأقلِّ شيءٍ منها، وجَبت الصلاةُ لذلك على سنَّتِها؛ ألا ترى إلى قولِ أسماء: "ما للناس؟ " فأشارت لها عائشةُ إلى السَّماء، فلو كان كُسُوفًا بَيِّنًا ما خفيَ على أسماءَ ولا غيرِها حتى تحتاجَ أن يُشارَ إلى السماء.

وقالت طائفةٌ من أصحابنا وغيرهم: إنَّ الشمسَ لا يُصلَّى لها حتى تسوَدَّ بالكُسوفِ أو يسْوَدَّ أكثرُها؛ لِما رُوىَ في حديثِ الكُسُوف: "إنَّ الشمسَ كُسف بها وصارَت كأنها تَنُّومَةٌ" (١)؛ أي: ذهَب ضوْؤها واسودَّت، والتَّنُّومُ: نباتٌ أسود. وهذا القولُ ليسَ بشيء؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: لا يُصلَّى لكُسوفِها حتى تَسودَّ. بل صَلَّى لها في كلتا الحالتَين، وليس في إحداهما ما يدفَعُ الأخرى، وليس ما ذُكر في الصِّحَّة كحديثِ أسماء.

وفيه أيضًا من الفقه: دليلٌ على أن خُسُوفَ الشمس يصلَّي لها في جماعة، وهذا المعنى وإن قام دليلُه من هذا الحديث، فقد جاء منصوصًا في غيرِه، والحمدُ لله، وهو أمرٌ لا خلافَ فيه، وإنما الاختلافُ في كيفيةِ تلك الصلاة.

وفيه دليلٌ على أن صلاةَ خُسُوفِ الشمسِ لا يُجهَرُ فيها بالقراءة، وقد ذكَرنا


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣٣/ ٣٤٦ - ٣٤٩ (٢٠١٧٨)، وأبو داود (١١٨٤)، والنسائي في المجتبى (١٤٨٤)، وفي الكبرى ٢/ ٣٤٥ (١٨٨٢)، والرُّوياني في مسنده (٨٤٨)، وابن خزيمة في صحيحه ٢/ ٣٢٥ (١٣٩٧) من طرق عن الأسود بن قيس، عن ثعلبة بن عبّاد العبديّ، قال: شهدتُ خطبةً يومًا لسَمُرة بن جُنْدُب، قال: قال سَمُرة: "بينا أنا وغلامٌ من الأنصار نرمي غرَضَيْن لنا - أي هدفين - على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كادت الشمسُ قِيْدَ رُمحين أو ثلاثة في عينِ الناظِر، اسْوَدَّتْ حتَّى آضَتْ كأنّها تَنُّومةٌ" الحديث. وإسناده ضعيف لجهالة ثعلبة بن عبّاد، فقد تفرّد بالرواية عنه الأسود بن قيس، ولم يذكره سوى ابن حبّان في الثقات على عادته في ذكر المجاهيل في كتابه هذا، وذكره ابن المديني في المجاهيل الذين يروي عنهم الأسود بن قيس كما في تحرير التقريب (٨٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>