للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديثِ من الفقه: إباحةُ دخولِ المُخنَّثين من الرِّجال على النِّساء وإن لم يكونوا منهنَّ بمَحْرَم، والمُخنَّثُ الذي لا بأسَ بدخولِه على النِّساء هو المعروفُ عندَنا اليوم بالمؤنَّث، وهو الذي لا أربَ له في النِّساء، ولا يهتدي إلى شيءٍ من أُمورهنَّ، فهذا هو المؤنَّث المخنَّثُ الذي لا بأسَ بدُخُولِه على النِّساء، فأما إذا فهمَ معاني النِّساءِ والرِّجال، كما فهمَ هذا المخنَّث هيتٌ المذكورُ في هذا الحديث، لم يجُزْ للنساءِ أن يدخُلَ عليهنَّ، ولا جاز له الدُّخولُ عليهنَّ بوجْهٍ من الوُجوه، لأنه حينئذٍ ليس من الذين قال الله عزَّ وجلَّ فيهم {غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: ٣١]. وليس المُخنَّثُ الذي تُعرفُ فيه الفاحشةُ خاصةً وتُنسبُ إليه، وإنما المُخنَّثُ شدَّةُ التأنيثِ في الخِلْقةِ حتى يُشبِهَ المرأةَ في اللِّين والكلام والنظَر والنَّغَمة، وفي العَقْل والفِعْل، وسواءٌ كانت فيه عاهةُ الفاحشةِ أو لم تكن. وأصلُ التخنُّث: التكسُّرُ واللِّين، فإذا كان كما وصَفْنا لك، ولم يكنْ له في النساء أرَبٌ، وكان ضعيفَ العقل لا يفطِنُ لأمورِ النِّساءِ أَبْلَهَ، فحينئذٍ يكونُ من غير أُولي الإرْبَةِ الذين أُبيحَ لهم الدُّخولُ على النساء، ألا ترى أن ذلك المُخنَّثَ لما فهمَ من أمورِ النساء قصّةَ بنتِ غَيلانَ، نهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ عن دُخولِه على النساء، ونفاهُ إلى الحِمَى فيما رُوِيَ.

واختلَف العلماءُ في معنى قوله عزَّ وجلَّ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}. اختلافًا متقاربَ المعنى لمَن تدبَّر.

ذكَر ابنُ أبي شيبة، قال (١): حدَّثنا سهلُ بنُ يوسف، عن عَمْرو (٢)، عن الحسن: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}. قال: هم قومٌ طُبعُوا


(١) لم نقف عليه في المصنف ولا في غيره من مصنفاته.
(٢) هو عمرو بن عُبيد، أبو عثمان البصري، المعتزلي المشهور، وهو متروك الحديث بإجماع الجمهور من أهل الجرح والتعديل كما في تحرير التقريب (٥٠٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>