للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا قولٌ ضعيفٌ لا دليلَ على صحَّتِه، ولا يُعرفُ وجهُ ما قال قائلُه (١)، وفي الحديثِ نفسِه ما يرُدُّه؛ لأنه أمَرهم فيه بتسميةِ الله على الأكل، فدلَّ على أن الآيةَ قد كانت نزلَت عليه.

وممّا يدُلُّ أيضًا على بُطلانِ ذلك القولِ أن هذا الحديثَ كان بالمدينة، وأن أهلَ باديتها إليهم أُشيرَ بالذكر في ذلك الحديث، ولا يختلفُ العلماءُ أنَّ قوله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} نزَل في سورة "الأنعام" بمكة، وأن "الأنعامَ" مكِّية، فهذا يوضِّحُ لك أن الآيةَ قد كانت نزلَت عليه بخلافِ ظنِّ مَن ظنَّ ذلك (٢)، واللهُ أعلم.

وقد أجمَع العلماءُ على أن التَّسميةَ على الأكل إنما معناها التبرُّكُ لا مدخلَ فيه للذَّكاةِ بوَجْهٍ من الوُجوه؛ لأنَّ الميتَ لا تُدركُه ذكاةٌ.

وقد استدَلَّ جماعةٌ من أهل العلم على أن التسميةَ على الذَّبِيحةِ ليست بواجبةٍ بهذا الحديث، وقالوا: لو كانتِ التَّسْميةُ واجبةً فَرْضًا على الذَّبيحة، لَما أمَرهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بأكْلِ لَحْم ذبحَتْهُ الأعرابُ بالبادية، إذ ممكنٌ أن يسمُّوا، وممكن ألّا يسمُّوا اللهَ لجَهْلِهم، ولو كان الأصلُ ألّا يؤكلَ من ذبائح المسلمين إلا


(١) هذا على مذهب مالك وأصحابه القائلين بأن التَّسمية على الذَّبيحة فرضٌ مع الذِّكْر، ساقطةٌ مع النسيان، وخالفهم غيرهم على ما سيأتي بسْطُه في الآتي من شرح المصنِّف. وينظر: بداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٢١٠.
(٢) وجه ذلك ما ذكره الأحناف وغيرهم من أهل الرأي، أما استدلالهم بالآية المذكورة من وجهين، ذكرهما السرخسي وغيره، قال الكاساني في بدائع الصنائع ٥/ ٤٦: "والاستدلال بالآية من وجهين، أحدهما: أنّ مطلق النهي للتحريم في حقِّ العمل، والثاني: أنه سمّى كلّ ما لم يُذكر اسمُ الله عليه فِسْقًا بقوله عزّ وجلّ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١]، ولا فِسْقَ إلّا بارتكاب المحرّم، ولا تُحمل إلّا على الميتةِ وذبائح أهل الشِّرك ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>