للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تؤكلِ الذبيحةُ ولا الصيدُ، فإن نَسِيَ التسميةَ عندَ الذبيحةِ وعندَ الإرسالِ على الصيدِ أُكِلَت. وهو قولُ إسحاق، ورواية عن أحمدَ بن حنبل (١).

ومن حُجَّةِ مَن ذهَب إلى ذلك أن تاركَ التسميةِ عَمْدًا متلاعبٌ بإخراجِ النفس على غيرِ شريطتِها، وقد أجمَعوا أنَّ من شرائطِ الذَّبيحةِ والصيدِ التسمية، فمَن استباحَ ذلك على غير شريطتِه عامدًا دخَل في الفسق الذي قال الله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}. هذا معنى ما احتجُّوا به.

وقال الشافعيُّ (٢) وأصحابُه: تؤكلُ الذبيحةُ والصيدُ في الوجهَين جميعًا تعمَّد ذلك أو نسِيَه. وهو قولُ ابن عباس وأبي هريرة (٣). ورُوِيَ عن ابنِ عباس وأبي وائل (٤)، قالا: إنما ذبحتَ بدينِك. واحتجَّ مَن ذهَب هذا المذهبَ بأن قال: لما كان المَجُوسيُّ لا يُنتفعُ بتسميتِه إن سمَّى وتعمَّد ذلك وقصَد إليه، فكذلك لا يضُرُّ المُسلمَ تركُ التسمية؛ لأنه إنّما ذبَح بدِينِه. وقال أبو ثور وداودُ بنُ عليٍّ (٥): مَن ترَك التسميةَ عامدًا أو ناسيًا لم تُؤكَلْ ذبيحتُه ولا صيدُه.

قال أبو عُمر: ما أعلمُ أحدًا من السَّلَفِ رُوِيَ عنه هذا المَذْهبُ إلا محمدَ بنَ


(١) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، ص ٢٦٣ (٩٧٥)، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية ٥/ ٢٢٤٧ (١٥٢٧)، واختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي، ص ٤٧٤، والمغني لابن قدامة ٩/ ٣٨٨.
(٢) نصّ على ذلك في الأمّ ٢/ ٢٤٩، وينظر: المجموع شرح المهذّب للنّووي ٩/ ٨٣.
(٣) ينظر: المصنَّف لابن أبي شيبة (١٩٩٥٢)، والناسخ والمنسوخ للنحاس، ص ٤٤١، والمحلّى لابن حزم ٧/ ٤١٢، والسنن الكبرى للبيهقي ٩/ ٢٤٠ و ٢٨٢، والمغني لابن قدامة ٩/ ٣٨٨.
(٤) إنما يروى هذا عن أبي مالك - وهو الغفاري الكوفي، واسمه غزوان - وذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٧٨ (٧٨٣٥) من طريق وكيع بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عنه. وزاد نسبته السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٤٩ لعبد بن حميد وأبي الشيخ، وسيأتي على الصحيح من هذا الطريق بعد قليل.
(٥) ينظر: اختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي، ص ٤٧٣ - ٤٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>