للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديثُ معاويةَ رواه ابنُ إسحاق، عن يحيى بن عَبّادِ بنِ عبدِ الله بنِ الزُّبير، عن أبيه، عن معاوية (١).

وفي حديثِ مالكٍ هذا من الفقه: قَصْرُ الصلاةِ في السفر.

وفيه أنَّ الإمامَ المسافرَ لا يُتِمُّ بمنًى، وهذا إذا لم ينْوِ إقامةً، فإن نوَى إقامةً لزِمه الإتمام، وهذا عندَنا إذا نوَى إقامةَ أربع فصاعدًا.

وفيه أنَّ عُثمانَ أتمَّ بعدَ تقصيرِه وعِلْمِه بأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكرٍ وعُمرَ قصَرُوا في مثل ما أتمَّ هو فيه، فدلَّ ذلك على إباحةِ القَصْرِ والتمام عندَه، وقد تأوَّل قومٌ على عثمانَ في إتمامِه ذلك تأويلات:

منها: أنه نَوَى الإقامةَ واتخَذ دارًا بمكةَ وأهلًا. وهذا لا يُعرفُ، بل المعروفُ أنَّهُ لم يكن له فيها أهلٌ ولا مالٌ. وقيل: كان قد اتخَذ أهلًا بالطائف. وقيل: لأنه كان أميرَ المؤمنين، فكانت أعمالُه كأنها دارُه. وهذا كلُّه لا يصحُّ في نظر، ولا يثبُتُ في خبر، وقد كان المُقامُ بمكةَ بعدَ تمام الحجِّ عندَ عثمانَ مكروهًا، وعلى ذلك جماعةٌ من أهلِ العلم؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُقِمْ فيما بعدَ تمام حَجَّتِه، ولا أبو بكر، ولا عُمر، ولهذا قال مَن قال (٢) من السلف: الجوارُ بمكةَ بِدْعةٌ.

وقد ذكَر مالكٌ في "الوطأ" (٣) أنه بلَغه أن عثمانَ بنَ عفانَ كان إذا اعتَمر ربما لم يحطُطُ عن راحلتِه حتى يَرجع. وهذا يدُلُّك على أنه لم يتخِذْ بمكةَ أهلًا قطُّ، واللهُ أعلم.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٢٨/ ٧٢ (١٦٨٥٧)، والطبراني في الكبير ١٩/ ٣٣٣ (٧٦٥) من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق بن يسار، به. رجال إسناده ثقات، وقد صرّح فيه محمد بن إسحاق بالتحديث فانتفت شُبهة تدليسه.
(٢) قوله: "من قال" سقط من الأصل، وهو ثابت في ي ٢.
(٣) ١/ ٤٦٦ (٩٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>