للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ جُريج، عن مجاهدٍ في قوله: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} [عبس: ٥]. قال: عتبةُ وشيبةُ ابنا ربيعة. {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}. قال ابنُ جُريج: ابنُ أمِّ مكتوم. {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}. قال ابنُ جُريج: قال ابنُ عباس: تذكرةٌ للغنيِّ والفقير.

قال سُنيدٌ (١): وقال غيرُ ابنِ جُريج: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى}. قال: تُقبِلُ عليه بوجهِك. {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى}. قال: ألّا يَصلُحَ، {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى}: يعملُ في الخير، {وَهُوَ يَخْشَى} الله، {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}. قال: تُعرِضُ. ثم وعَظه فقال: {كَلَّا}. لا تُقبِلْ على مَن استغنى، وتُعرِضْ عمَّن يخشَى، {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}. قال: موعظةٌ، {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. قال: القرآن، مَن شاءَ فَهِم القرآن وتدبَّره واتَّعظ به.

قال أبو عُمر: فيما أورَدنا في هذا الباب عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة وغيرِهم، ما يُفسِّرُ معنى هذا الحديثِ ويُغنينا عن القولِ فيه.

وأما قوله: "لا والدُّمَى" فاختلَفت الروايةُ في ذلك عن مالك؛ فطائفةٌ روَوا عنه: "لا والدُّمَى" بضمِّ الدال، فالمعنى: الأصنامُ التي كانوا يعبُدون ويعظِّمون، واحدتُها دُميةٌ. وطائفةٌ روَت عنه: لا والدماء. بكسرِ الدال، والمعنى: دماءُ الهدايا التي كانوا يذبَحون بمنًى لآلهتِهم. قال الشاعرُ وهو توبةُ بنُ الحُميِّر:

عليَّ دماءُ البُدْنِ إن كان بعلُها ... يرَى لي ذنبًا غيرَ أني أزورُها (٢)

وقال آخر:

أمَا ودماءِ المُزْجِيَاتِ إلى مِنًى ... لقد كَفَرتْ أسماءُ غيرَ كفُورِ


(١) هو الحسين بن داود المِصِّيصي، وسُنيد لقبه.
(٢) البيت في الأغاني لأبي المرج الأصفهاني ١١/ ٢١٤ - ٢١٦، وفي العمدة في محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق القيرواني ١/ ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>