للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ القاسم (١): كان مالكٌ يقول: لا يسلِّمُ الإمامُ حتى تقومَ الطائفةُ الثانيةُ فتُتِمَّ لأنفُسِها، ثم يُسلِّمُ بهم؛ على حديثِ يزيدَ بنِ رُومانَ، ثمّ رجَعَ إلى حديثِ القاسم بنِ محمدٍ أنَّ الإمامَ يُسلِّمُ ثمّ تقومُ الطائفةُ الثانيةُ فيَقضُونَ.

قال أبو عُمر: لأهل العلم أقاويلُ مختلفةٌ، ومذاهبُ مُتَباينةٌ في صلاة الخوفِ قد ذكَرْناها وذكَرْنا الآثارَ التي بها نزَعَ كلُّ فريقٍ منهم، ومنها: قال: وإليها ذهبَ؛ وأوضَحْنا ذلك ومهّدْناهُ بحُجَجِه ووُجُوهِه وعِلَلِه في باب نافع (٢) من هذا الكتاب، والحمدُ لله.

وأمّا قولُه: "يومَ ذاتِ الرِّقاع" فهي غَزاةٌ معروفةٌ عندَ جميعِ أهلِ العلم بالمغازي، واختُلِفَ في المعنَى الذي سُمِّيتْ به ذاتُ الرِّقاع، فذَكَر الأخفَشُ عن أبي أُسامة، عن بُرَيدِ بنِ أبي بُرْدةَ، عن أبي بُردةَ، عن أبي موسى، قال: خرَجْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غَزاةٍ، فكُنّا نمْشي على أقدامِنا حتى نُقِبَتْ (٣)، فكُنّا نشُدُّها بالخِرَقِ ونعْصِبُ عليها العَصائبَ، فسُمِّيتْ غزوةَ ذاتِ الرِّقاع. قال أبو بُردةَ: فلمّا حدَّث أبو موسى بهذا الحديث نَدِمَ، وقال: ما كنّا نصنَعُ بذِكْرِ هذا. كأنّه كَرِهَ أن يذكُرَ شيئًا من عمَلِه الصالح (٤).

وقال غيرُه: إنّما سُمِّيت ذاتَ الرِّقاع؛ لأنهم رقّعُوا فيها راياتِهم، والراياتُ دونَ البُنودِ (٥) وفوقَ الطِّراداتِ (٦) إلى البُنودِ ما هي. وقيل: كانت أرضًا ذات ألوان، وقيل: إنَّ ذاتَ الرِّقاع شجرةٌ نزلُوا تحتَها وانصَرفُوا يومئذٍ عن مُوادَعَةٍ من غيرِ قتال (٧).


(١) في المدوّنة ١/ ٢٤١.
(٢) مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو في الموطأ ١/ ٢٥٨ (٥٠٥)، وهو الحديث الثامن والخمسون له، وقد سلف في موضعه.
(٣) قوله: "حتى نَقِبَت" أي: رقّت جلُودها، يُقال: نَقِبَ البعير: إذا رقَّ خُفَّه. "فتح الباري" لابن حجر ٧/ ٤٢١، وتاج العروس (نقب).
(٤) أخرجه البخاري (٤١٢٨)، ومسلم (١٨١٦) من طريقين عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، به.
(٥) البُنود: جمع البَنْد: وهو كلُّ علَم من الأعلام للقائد، قال الخليل: وتحت كلِّ بَنْدٍ عشرةُ آلاف رجُل، أو أقلُّ، أو أكثر. ينظر: العين ٨/ ٥٢.
(٦) الطِّرادات: جمع الطِّرَد: الرُّمح القصير، لأنّ صاحبه يُطارِدُ به. تاج العروس (طرد).
(٧) ينظر: السيرة النبوية لابن هشام ٢/ ٢٠٣، والروض الأنف للسهيلي ٦/ ٢٢٢ - ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>