للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يطَّلعْ عليه أحدٌ على حقيقة، ونحن - وإن علِمْنا أنها تقومُ يومَ جُمعةٍ بهذا الحديث - فلَسْنا نَدْرِي أيَّ جُمُعةٍ هي؟ وقد سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الساعةِ وقيامِها، فقال: "ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ منَ السائل" وقد سأل عنها جبريلَ فقال نحوَ ذلك (١)، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّيِ} [الأعراف: ١٨٧].

وقد أخبرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن شُروطٍ وعلاماتٍ تكونُ قبلَها، وقد ظهرَ أكثرُها أو كثيرٌ منها، وقال الله عزَّ وجلَّ: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: ١٨٧].

وأما قوله: "وما مِنْ دابّةٍ إلّا وهي مُصِيْخَةٌ" فالإصاخةُ: الاستماعُ، وهو ها هنا استماعُ حذَرٍ وإشفاق، وخشيةِ الفُجاءةِ والبَغْتِة، وأما أصلُ الكلمةِ في اللُّغة: فالاستماعُ. قال أعرابيٌّ:

وحديثُها كالقَطْرِ يسْمَعُه .. راعي سِنينَ تتابَعَتْ جَدْبَا

فأصاخَ يرْجُو أن يكُونَ حيًّا .. ويقولُ مِنْ فَرَحٍ أيا ربّا (٢)

وقال آخَرُ:

لمْ أرُمْ حتَّى إذا أصاخَا .. صَرَخْتُ لو يَسْمَعُ الصُّراخَا

وقال أُميّةُ بنُ أبي الصَّلْت:

فهُم عند ربٍّ يَنظُرونَ قضاءَهُ .. يُصِيخُونَ بالأسماعِ للوَحْي رُكَّدُ (٣)


(١) أخرجه أحمد في المسند ١٥/ ٣٠٤ (٩٥٠١)، والبخاري (٥٠) و (٤٧٧٧)، ومسلم (٩) من حديث أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) البيتان في البيان والتبيين للجاحظ ١/ ٢٣٦، وفي الأمالي لأبي عليٍّ القالي ١/ ٨٤، والخصائص لابن جنِّي ١/ ٣٠، ٢٢٠ منسوبان لأعرابيٍّ كما ذكر المصنِّف، وهما في ديوان عُبيد بن حصين الشاعر الأموي المعروف بالراعي النُّميريّ، ص ٢٢. وفيه عندهم "هيا ربّا" بدل: "أيا ربّا".
والبيت الثاني في الصحاح مادة (هيا)، ومغني اللبيب لابن هشام، ص ٢٩، وقال الجوهري: "هيا من حروف النداء، وأصلها: أيا، مثل هراق وأراق".
(٣) البيت في كتاب الزُّهرة لأبي بكر محمد بن داود الأصبهاني، ص ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>