للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى قوله: "كذَبَ كَعْبٌ"، يريد: غَلِطَ كَعْبٌ، وقد تضعُ العربُ أحيانًا هذه اللَّفظةَ بمعنى الغَلَط وقد فسَّرْنا ذلك بالشاهد عليه في باب ابنِ شهابِ عن سالم وحمزةَ ابنَي عبدِ الله بنِ عُمَر (١).

وفي قول عبدِ الله بنِ سَلَام: "قد عَلِمْتُ أيَّ ساعةٍ هي" دليلٌ على أنّ للعالِم أن يقول: أنا أعلمُ كذا، وقد علمتُ كذا، وأنا أعلمُ بكذا إذا لم يكنْ ذلك على سبيل الفخْرِ والسُّمْعة.

وفي قول أبي هريرة: "أخبِرْني بها ولا تَضِنَّ عليَّ" أي: لا تبْخَلْ عليَّ، دليلٌ على ما كان القومُ عليه منَ الحِرْص على العِلْم والبحثِ عنه، وفي مراجعةِ أبي هُريرةَ لعبد الله بنِ سَلَام حينَ قال: "هي آخِرُ ساعةٍ من يوم الجُمعة" واعتراضِه عليه بأنّها ساعةٌ لا يُصلَّى فيها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال: "لا يُوافِقُها عبدٌ مسلم، وهو يُصلِّي، يسألُ اللهَ شيئًا إلا أعطاهُ إيّاه" أدلُّ دليل على إثباتِ المُناظَرةِ والمُعارَضَةِ وطلَبِ الحُجَّة ومواضِع الصّواب.

وفي إدخال عبدِ الله بنِ سَلَام عليه قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ انتظَرَ صلاةً فهو في صلاة" وإذعانِ أبي هريرةَ إلى ذلك دليلٌ بيِّنٌ على ما كان القومُ عليه منَ البَصَر بالاحتجاجِ والاعتراضاتِ والإدخالِ والإلزاماتِ في المُناظرةِ، وهذا سبيلُ أهل الفقهِ أجمع، إلّا طائفةً لا تُعَدُّ في العلماء أغْرَقُوا في التَّقليد، وأراحُوا أنفُسَهُم منَ المُناظَرةِ والتفهُّم، وسمُّوا المُذاكَرةَ مُناظرةً جَهْلًا منهم بالأُصول التي منها ينزعُ أهلُ النَّظَر، وإليها يفزَعُ أولُو البَصَر، واللهُ المُستعان.

حدَّثنا سعيدُ بنُ نصْر، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا ابنُ وَضّاح (٢)، قال: حدَّثنا أبو بكرِ بنُ أبي شيبة، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ عُبيد، قال:


(١) وهو الحديث الرابع لمحمد بن شهاب الزُّهري عنهما، وقد سلف في موضعه.
(٢) هو محمد بن وضّاح بن بزيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>