للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: من أبى من الصَّلاةِ على الراحلةِ أو على قدمَيْه بالإيماءِ من أجل الطينِ والماء، احتَجَّ بحديثِ هذا الباب عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ؛ قوله: "فأبصرتْ عينايَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرَف وعلى جبهتِه وأنفِه، ويُروى: "وعلى جبينِه وأنفِه - أثرُ الماءِ والطين". قالوا: فلو جاز الإيماءُ في ذلك ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليَضعَ أنفَه وجبهَتَه في الطِّين. قالوا: وهذا حديثٌ صحيحٌ، وحديثُ يَعْلى بن أميةَ ليس إسنادُه بشيء.

قال أبو عُمر: أما إذا كان الطِّين والماءُ مما يُمكِنُ السُّجودُ عليه، وليس فيه كبيرُ تلويثٍ وفسادٍ للثياب، وجاز تمكينُ الجبهةِ والأنفِ من الأرض، فهذا موضع لا تجوزُ فيه الصلاةُ على الراحلةِ ولا على الأقدام بالإيماء؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قد افترَض الرُّكوعَ والسُّجودَ على كلِّ مَن قدَر على ذلك كيفما قدَر.

وأمّا إذا كان الطينُ والوحَلُ والماءُ الكثيرُ قد أحاط بالمَسْجون أو المسافرِ الذي لا يرجُو الانفكاكَ منه ولا الخروجَ عنهُ قبلَ خروج الوَقْت، وكان ماءً مَعِينًا غَدَقًا (١) وطِينًا قبيحًا وَحِلًا، فجائزٌ لِمَن كان في هذه الحال أن يصلِّي بالإيماءِ على ما جاء في ذلك عن العلماءِ من الصحابةِ والتابعين، فاللّهُ أعلمُ بالعُذر، وليس باللّه حاجةٌ إلى تلويثِ وجْهِه وثيابه، وليس في ذلك طاعة، إنّما الطاعةُ الخشيةُ والعملُ بما في الطاقة.

وفي هذا الحديث أيضًا ما يدُلُّ على أن السُّجودَ على الأنفِ والجبهةِ جميعًا، واجتمَع العلماءُ على أنه إن سجَد على جبهتِه وأنفِه فقد أدَّى فرضَ الله في سُجودِه.

واختلفوا فيمن سجَد على أنفِه دونَ جبهتِه، أو جبهتِه دونَ أنفِه؛ فقال مالك:


(١) الغَدَق، بفتح الدال: المطر الكبار القَطْر، وهو الماء الكثير. النهاية لابن الأثير ٣/ ٣٤٥، ولسان العرب (غَدق).

<<  <  ج: ص:  >  >>