للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما محمدُ بنُ كَعْب، فأحدُ العلماءِ الفضلاءِ الثقات، ومن التابعين بالمدينة،


= الحديث خاصةً فيما ذكر العقيليُّ في الضعفاء ٤/ ٣٧٨ (١٩٩١) فأسندَ عن آدم بن موسى، قال: "سمعت البخاريَّ قال: يزيد بن زياد، مولى بني هاشم، عن محمد بن كعب، سمعت معاوية، ولا يُتابع عليه. كأنَّ البخاريَّ أحسبُ أنكر أنّ محمد بن كعب قد سمع معاوية".
ومثل ذلك نقل عنه ابن عديّ في الكامل ٧/ ٢٨٢ (٢١٧٩) فقال: "سمعت ابنَ حمّاد يذكره عن البخاري"، وابن حمّاد: هو محمد بن أحمد بن حمّاد الدولابيُّ الحافظ المعروف، وهو راوية كتاب الضعفاء الكبير عن البخاري، مما يدلُّ على أنّ البخاريّ قد ذكره فيه، ثم قال ابن عديّ في آخر ترجمته القصيرة له: "ويزيد بن زياد يُعرف بالحديث الذي ذكره، إنما هو: مَن يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين"، وفي هذا إشارةٌ منه يُفهم منها تقليل شأنه في رواية الحديث، وإن كانت له أحاديث أخرى معدودة غير الذي ذكره ابن عديّ إلا أنها لا تصل إلى حدّ الشُّهرة التي من شأنها أن تمنع بعض المعنيِّين بتراجم الرجال كالحسيني صاحب التذكرة برجال العشرة لأن يقول فيه: "فيه جهالة" فيما نقل عنه الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة ١/ ٥٥٩ وتعقّبه بقوله: "بل هو معروف"، نقول: هو معروف في حدود ما روى على ما بيّناه، حيث لا يستقيم معها إطلاق حُكم توثيقه مطلقًا كحال الذهبي في الكاشف ٢/ ٣٨٢، فقال في ترجمته له (٦٣٠٣): "ثقة" ومع ذلك ذكره في المغني في الضعفاء ٢/ ٧٤٩ (٧١٠٠) واكتفى بترجمته له بقول البخاري: "لا يُتابع على حديثه" ولم يتعقبه كما هو حاله في بعض التراجم الواردة في الكتاب نفسه حيث ردَّ أقوال كثير من أهل الجرح والتعديل في بعض الرِّجال جرحًا وتعديلًا!
فلهذه الأمور مجتمعة نقول: إنّ رجلًا هذا حالُه، وقد قيل فيه ما ذكرناه، فضلًا عن الاضطراب الوارد في كونه واحدًا أو اثنين، ولم يُعرف إلا ببعض الأحاديث اليسيرة التي لا تخلو من العلل، فلا يصحّ إطلاق توثيقه، ومن هنا يتبيَّن قصور قول المصنّف عن هذا الحديث: "مسند صحيح"!
الثاني: يتعلّق بقوله: "وإن كان ظاهره في هذا الإسناد الانقطاع".
نقول: لم يُدلِّل المصنِّف رحمه الله على صحَّة سماع محمد بن كعب القرظي من معاوية بن أبي سفيان وإنما اكتفى بالقول: "ذكر ذلك بعضُ رواة مالك عن مالك" فهو إنما بنى كلامه على ما وقع في بعض طرق حديثه عن قوله: "سمعتُ معاوية"، ومثل هذا لا يقطع بصحّة سماعه منه، كيف وقد وقع في بعض طرق أحاديثه قولُه أيضًا: "سمعت عليّ بن أبي طالب"، ومن المعروف أن روايته عنه مرسلة كما ذكر العلائيُّ في تحفة التحصيل، ص ٢٦٨ وغيرُه؛ ثم إن البخاريَّ والعقيليَّ وابن عديّ رجّحوا أن حديثه هذا منقطع أو مرسل، فقد قال العقيلي: "والصحيح من هذا الحديث الإرسال"، ولو كان الإمام مالك يُصحّح سماع محمد بن كعب لهذا الحديث من معاوية لما ساقه بهذه الصيغة التي تدلُّ على الانقطاع، ولأتى بالصيغة التي تُصرِّح بالسماع، واللّه سبحانه أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>