للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا خطأ، والصوابُ ما في "الموطأ"، وهذا الحديثُ يدخلُ في المسنَدِ بالمعنى والنظر؛ لأنه مُحالٌ أن تَرى عائشةُ نفسَها في رأيها حُجةً على غيرِها من الصحابةِ في حين اختلافِهم في هذه المسألةِ النازلةِ بينَهم، ومُحالٌ أن يُسلِّمَ أبو موسى لعائشةَ قولها من رأيها في مسألةٍ قد خالَفها فيها من الصحابة غيرُها برأيِه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ ليس بحجةٍ على صاحبِه عندَ التنازع، لأنهم أُمِروا إذا تَنازَعوا في شيء أن تزدُّوه إلى كتابِ الله وسُنّةِ رسولِه، وهذا يدُلُّك على أن تَسْليمَ أبي موسى لعائشةَ في هذه المسألةِ إنما كان من أجلِ أنَّ عِلْمَ ذلك كان عندَها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك سلَّم لها، إذ هي أوْلى بعلم مثل ذلك من غيرِها. ومع ما ذكَرْنا من جهةِ الاستدلال، فقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عائشةَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسندًا، ورُوِيَ أنّ سعيدَ بنَ المسيِّب دخَل مع أبي موسى على عائشةَ في هذه القصة، فبان بذلك حقيقةُ قولِنا وصحةُ استدلالِنا، وباللّه التوفيق.

وأخبَرنا عبدُ الوارث (١) وأحمدُ بنُ قاسم، قالا: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا الحارثُ بنُ أبي أسامة، قال: حدَّثنا يحيى بنُ أبي بُكَير، قال: حدَّثنا زائدةُ، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ زيدٍ بنِ جُدْعان، عن سعيدِ بنِ المسيِّب قال: نازَع أبو موسى ناسًا من الأنصار، فقالوا: الماءُ من الماء. قال سعيد: فانطَلَقْتُ أنا وأبو موسى حتى دخَلْنا على عائشة، فقال لها أبو موسى الذي تنازَعوا فيه، فقالت عائشة: عندي الشِّفاءُ من ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جلسَ الرجلُ بينَ الشُّعَبِ الأربع، وألصَق الخِتانَ بالخِتانِ، فقد وجَبَ الغُسلُ" (٢).


(١) هو عبد الوارث بن سفيان بن جبرون القرطبي، وأحمد بن قاسم: هو ابن عبد الرحمن التاهرتي، وشيخهما قاسم بن أصبغ: هو البيّاني.
(٢) أخرجه الشافعي في الأمّ ١/ ٥٤، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٩٣٤)، وإسحاق بن راهوية في مسنده (١١٠٠)، وأحمد في المسند ٤٠/ ٢٥٠ (٢٤٢٠٦) أربعتُهم عن إسماعيل بن إبراهيم ابن عُليّة، عن عليّ بن زيد بن جُدْعان، به.
وأخرجه الترمذي (١٠٩) من طريق سفيان بن عيينة عن علي بن زيد، به.
وهذا إسناد ضعيفٌ لضعف عليّ بن زيد بن جُدْعان، فإنه رفَعه عن سعيد بن المسيِّب، والصحيح عنه موقوفًا كما ذكر المصنف، إلّا أنه في حُكم المرفوع كما أشار إلى ذلك أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>