للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتحبٌّ مستحسَنٌ؛ لفِعْلِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بيَدِه، ولأنّها قُربَةٌ إلى الله عزّ وجلّ، فمُباشَرَتُها أوْلَى. وجائزٌ أن ينحَرَ الهَدْيَ والضَّحايا غيرُ صاحِبها؛ ألا ترَى أنّ عليَّ بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه نَحَر بعض هَدْي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أمرٌ لا خلافَ بين العلماءِ في إجازَته، فأغْنَى عن الكلامِ فيه.

وقد جاءَتْ روايةٌ عن بعض أهل العلم أنّ مَن نَحَر أُضْحيتَه غيرُه كان عليه الإعادةُ ولم يُجْزِئْه. وهذا محمولٌ عندَ أهلِ الفَهْم على أنّها نُحِرَتْ بغيرِ إذن صاحبِها، وهو موضِعُ اختلافٍ. وأمّا إذا كان صاحبُ الهَدْي أو الضَّحيّة قد أمَرَ بنَحْر هَدْيِه، أو ذَبْح أُضْحِيَته، فلا خلافَ بين الفقهاء في إجازَة ذلك، كما لو وكَّلَ غيرَه بشراءِ هَدْيِه فاشْتَراه، جاز بإجماع.

وفي نحْرِ غير رسولِ الله عليه السلامُ دليلٌ على جوازِ الوَكالة؛ لأنّه معلومٌ أنّه لم يفعَلْ ذلك بغيرِ إذْنِه، وإذا صحَّ أنّه كذلك، صحَّت الوَكالةُ وجازَت في كلِّ ما يتصرَّفُ فيه الإنسانُ، أنّه جائزٌ أن يُولِّيَه غيرَه فينْفُذَ فيه فِعلُه، وقد روَى سفيانُ بن عيينةَ، عن شَبيبِ بن غَرْقَدَةَ في ذلك حديثَ عُروةَ البارقيِّ.

أخبَرنا عبدُ الوارث بن سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا بكرُ بن حمّادٍ، قال: حدَّثنا مُسدَّد، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن شَبيبِ بن غَرْقَدةَ، قال: حدَّثني الحيُّ، عن عُروةَ، أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أعطَاه دينارًا يشتري له به أُضحيةً - أو قال: شاةً - فاشترى له ثِنْتَين، فباع إحداهما بدينار، وأتى بشاةٍ ودينارٍ، فدعَا له بالبَرَكة في بيعِه، فكان لو اشْتَرى تُرابًا لَرَبحَ فيه (١).

وهكذا رواه الشافعيُّ (٢)، عن ابن عيينةَ بنحو روايةِ مُسَدَّد.


(١) أخرجه البخاري (٣٦٤٢) من طريق سفيان، به.
(٢) الأم ٤/ ٣٣، ومسند الشافعي (٥٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>