للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: "تأكُلُ القُرَى" فرُوِيَ عن مالك أنَّه قال: معناه: تفتَح القُرَى، وتُفتتَحُ منها القُرَى؛ لأنَّ من المدينةِ افتُتِحَتِ المدائنُ كلُّها بالإسلام.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على كراهيةِ تسميةِ المدينةِ بيثربَ على ما كانت تُسمَّى في الجاهلية، وأما القرآنُ فنزَل بذِكْر يَثْربَ على ما كانوا يعرِفون في جاهليَّتهم، ولعلَّ تسميةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - إيّاها بطَيْبةَ كان بعدَ ذلك، وهو الأغلبُ في ذلك.

وأما قوله: "تَنفي الناس" فإنه أراد شِرارَ الناس، ألا ترى أنَّه مَثَّلَ ذلك وشَبَّههُ بما يصنَعُ الكِيْرُ في الحديد، والكِيْرُ إنما ينفي رديءَ الحديدِ وخبَثَه، ولا يَنْفي جيِّده. وهذا عندي، واللهُ أعلم، إنما كان في حياةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -، فحينئذٍ لم يكنْ يخرجُ من المدينةِ رغبةً عن جوارِه فيها إلّا من لا خيرَ فيه، وأما بعدَ وفاتِه فقد خرَج منها الخيارُ الفُضلاءُ الأبرار.

وأما الكِيْرُ: فهو موضعُ نارِ الحدّادِ والصائغ، وليس الجِلْدَ الذي تُسمِّيه العامةُ كيرًا. هكذا قال أهلُ العلم باللُّغة، ومن هذا حديثُ أبي أُمامة وأبي رَيْحانة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: "الحُمَّى كيرٌ من جهنَّم، وهي نصيبُ المؤمنِ من النار" (١).

حدَّثنا خلفُ بنُ أحمد، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ مُطرِّف، قال: حدَّثنا سعيدُ بنُ عثمان، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ مَعْبَد، قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارون، قال: حدَّثنا أبو غسّانَ محمدُ بنُ مُطرِّف، عن أبي الحُصَين، عن أبي صالح الأشْعَريِّ، عن أبي أُمامة، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - قال: "الحُمّى كِيْرٌ من جهنّمَ، فما أصابَ المؤمنَ منها كان حظَّهُ من النار" (٢)، والله أعلم.


(١) سلف بإسناد المصنِّف مع تخريجه في أثناء شرح الحديث الخامس لمحمد بن شهاب الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيِّب.
(٢) سلف بهذا الإسناد مع تخريجه في الموضع المشار إليه في التعليق السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>