للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمساكين. والأصلُ في ذلك عندَ مالكٍ وأصحابِه أنّ كلَّ ما دخَلَه الإطعامُ من الهَدْي والنُّسُكِ لمَن لم يَجِدْه فسَبيلُه سبيلُ ما جُعِل للمساكين، ولا يجوزُ الأكلُ منه، وما سِوَى ذلك يُؤكَلُ منه؛ لأنّ اللهَ قد أطلَقَ الأكْلَ من البُدْنِ وهي من شعائرِ الله، فلا يجبُ أن يُمْتَنَعَ من أكلِ شيءٍ منها إلّا بدليلٍ لا مُعارِضَ له، أو بإجماع، وقد أجمَعُوا على إباحةِ الأكلِ من هَدْي التَّطوعِ إذا بلَغَ مَحِلَّه، ولم يجعلُوه رُجوعًا فيه، فكذلك كلُّ هَدْي إلّا ما اجتُمِعَ عليه (١).

وقال أبو حنيفة: يأكُلُ من هَدْي المُتْعة وهَدْي التَّطوُّع إذا بلَغَ مَحِلَّه لا غيرُه (٢).

وقال الشافعيُّ: لا يأكل من شيءٍ من الهَدْي الواجب. وقال في معنى قول الله عزّ وجلّ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا}: إنّ ذلك في هدْي التَّطوُّع لا في الواجب؛ بدليل الإجماع على أنّه لا يُؤكَلُ من جزاءِ الصيدِ وفديةِ الأذى، فكانت العلَّةُ في ذلك أنّه دمٌ واجبٌ في الإحرام من أجل ما أتاهُ المحرِمُ، فكلُّ هدي وجَبَ على المحرم بسبَبِ فعلٍ أتاه فهو بمنزلَته، والواجباتُ لا يجوزُ الرُّجوعُ في شيء منها، كالزكاة، وبالله التوفيق (٣) (٤).


(١) ينظر: المدونة ١/ ٤٥٤، والكافي في فقه أهل المدينة ١/ ٤٠٣.
(٢) الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني ٢/ ٤٣٤، والمبسوط للسرخسي ٤/ ٧٦.
(٣) الأم ٢/ ٢٣٩.
(٤) جاء في حاشية الأصل بلاغ بالمقابلة نصه: "بلغت المقابلة بحمد الله وحسن عونه". ثم كتب الناسخ: "تم السفر الأول من كتاب التمهيد بحمد الله وعونه وتأييده ونصره وصلى الله على محمد نبيه وعبده، يتلوه إن شاء الله في أول الثاني: حديث سادس لجعفر بن محمد منقطع، والله المعين برحمته".
وهذه إشارة إلى نهاية المجلد الأول الذي نسخ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>