للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: قد روَى مالكٌ (١)، عن ابنِ شهاب، عن عِرَاكِ بنِ مالكٍ وسُليمانَ بنِ يسار، أنَّ عُمرَ بنَ الخطاب بدَّأ المدَّعَى عليهم بالأيمانِ في القَسامة.

قيل له: المصيرُ إلى المُسندِ الثابتِ أوْلى من قولِ الصاحب من جهةِ الحُجَّة.

وفي هذا الحديث، حديثِ يحيى بنِ سعيد، عن بُشَيرِ بنِ يسار، نُكولُ الفريقَينِ عن الأيمان، وفي ذلك ما يدُلُّ على أن الدِّيةَ إنما جعلَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من عندِه تبرُّعًا؛ لئلا يُطَلَّ ذلك الدم (٢)، وذلك ليس بواجب، واللّهُ أعلم.

وقد روَى ابنُ عبدِ الحكَم عن مالكٍ في قتيل ادَّعَى بعضُ وُلاتِه أنه قُتِل عمْدًا، وقال بعضُهم: لا عِلْمَ لنا بمَن قتلَه، ولا نحلِفُ، فإنّ دمَه يُطَلُّ.

وللفقهاءِ في القسامةِ وفيما يُوجِبُها من الأسباب، وفيما يجبُ بها من القَوَدِ أو الدِّية، مذاهبُ نحن (٣) نذكُرُها هاهنا ليتبيَّن للناظرِ في كتابنا معنى القَسامةِ بيانًا واضحًا إن شاء الله تعالى (٤).

قال مالكٌ رحمه الله (٥): القَسامةُ لا تجبُ إلّا بأحدِ أمرين؛ إمّا أن يقولَ المقتول: دمي عندَ فلان. أو يأتي وُلاةُ المقتولِ بلَوْثٍ (٦) من بيِّنةٍ وإن لم تكنْ قاطعةً على الذي يُدَّعَى عليه الدم، فهذا يُوجبُ القَسامةَ لمدَّعي الدّم على من ادَّعوهُ، فيحلِفُ من


(١) الموطّأ ٢/ ٤١٩ (٢٤٦٦)، وعنه الشافعيُّ في الأُمّ ٧/ ٢٤٧، ومن طريقه البيهقي في الكبرى ٨/ ١٢٥ (١٦٨٨٩) و ١٠/ ١٨٣ (٢١٢٥٥).
(٢) أي: لئلّا يُهْدَرَ، يقال: طُلَّ دَمُه: إذا أُهْدِرَ. ينظر: المشارق للقاضي عياض ١/ ٣١٩.
(٣) "نحن" لم ترد في الأصل.
(٤) قوله: "إن شاء الله تعالى" لم يرد في الأصل.
(٥) في الموطأ ٢/ ٤٥٣ (٢٥٧٥) و ٢/ ٤٥٤ (٢٥٧٧).
(٦) اللَّوْثُ: هو أن يشهد شاهدٌ واحدٌ على إقرار المقتول، قبلَ أن يموت أنّ فلانًا قتَلَني، أو يشهد شاهدان على عداوة بينهما، أو تهديد منه له، أو نحو ذلك. وهو من: التلوُّث: التلطُّخ. النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/ ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>