وأما أهلُ الجَورِ والفسقِ والظُّلم فليسُوا له بأهل، ألا ترَى إلى قولِ الله عزَّ وجلَّ لإبراهيمَ عليه السلام، قال:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤].
وإلى منازعةِ الظالم الجائرِ ذهَبت طوائفُ من المعتزلةِ وعامةُ الخوارج، وأما أهلُ الحقِّ، وهم أهلُ السُّنة، فقالوا: هذا هو الاختيارُ أن يكونَ الإمامُ فاضلًا عدْلًا مُحسِنًا، فإن لم يكنْ فالصبرُ على طاعةِ الجائرِ من الأئمَّةِ أوْلى من الخروج عليه؛ لأنَّ في منازعتِه والخروجِ عليه استبدالَ الأمنِ بالخوف (١)، ولأنّ ذلك يَحمِلُ على هِراقةِ الدِّماء وشنِّ الغاراتِ والفسادِ في الأرض، وذلك أعظمُ من الصَّبرِ على جَوْره وفِسْقِه، والأصولُ تشهَدُ والعقلُ والدِّينُ: أنَّ أعظمَ المكروهَيْنِ أولاهُما بالترك، وكلُّ إمام يُقيمُ الجمُعةَ والعيدَ، ويُجاهِدُ العدوَّ، ويُقيمُ الحُدودَ على أهل العَداء، ويُنصفُ الناسَ من مظالمِهم بعضِهم لبعض، وتَسكُنُ له الدَّهْماء، وتأمَنُ به السُّبلُ، فواجبٌ طاعتُه في كلِّ ما يأمُرُ به من الصَّلاح أو منَ المُباح.
حدّثني خلفُ بنُ أحمد، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ مُطرِّف، قال: حدَّثنا أيوبُ بنُ سُليمانَ ومحمدُ بنُ عُمر، قالا: حدَّثنا أبو زيدِ عبدُ الرحمن بنُ إبراهيم، قال: حدَّثنا عبيدُ الله بنُ موسى، عن الأعمش، عن زيد بنِ وَهْب، عن عبدِ الرحمن بنِ عبدِ ربِّ الكعبة، عن عبدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ العاص، قال: كنّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فنزَلْنا منزلًا، فمِنّا من يَنتَضِلُ، ومنّا مَن يُصلِحُ خِباءَه، ومنّا مَن هو في جَشَرِه، إذ نادَى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاةَ جامعةً. فانتهَيتُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: "إنه لم يكنْ نبيٌّ قبْلي إلا كان لله عليه حقًّا أن يدُلُّ أُمَّتَه على الذي هو خيرٌ لهم، ويُنذرَهم الذي هو شرٌّ لهم، وإنَّ هذه الأمةَ جُعِلت عافيتُها في أوَّلها، وسيُصيبُ