للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالت فيه طائفة: عن ابنِ أبي عَمْرة، وكان عند أكثر شُيوخِنا في الموطأ عن يحيى في هذا الحديث: توفِّي رجلٌ يومَ حُنين. وهو وهمٌ، وإنّما هو يومُ خيبر. وعلى ذلك جماعةُ الرُّواة، وهو الصَّحيحُ، والدّليلُ على صحّتِه قوله: "فوَجَدْنا خَرَزاتٍ من خرَزاتِ يهودَ" ولم يكن بحُنينٍ يهودُ، واللهُ أعلم.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "صلُّوا على صاحِبكُم" فإنّ ذلك كان كالتّشديدِ بغير الميِّتِ من أجل أنّ الميِّتَ قد غَلَّ لينتهيَ الناسُ عن الغُلولِ لِمَا رأوا من ترْكِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ على مَن غَلَّ، وكانت صلاتُه على مَن صلَّى عليه رحمةً، فلهذا لم يُصَلِّ عليه عقوبةً له وتشديدًا لغيرِه، واللهُ أعلم.

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلُّوا على صاحِبكُم" دليل على أنّ الذُّنوبَ لا تُخرِجُ المُذنِبَ عن الإيمان، لأنه لو كفرَ بغُلولِه - كما زعمَتِ الخوارجُ - لم يكن ليأمُرَ بالصَّلاة عليه، فإنّ الكافرَ والمشركَ لا يصلِّي عليه المسلمون؛ لا أهلُ الفَضْل ولا غيرُهم، ويجوزُ أن يكونَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ أنّ ذلك الميِّتَ قد كان غَلَّ بوَحْيٍ من الله، ويجوزُ بغير ذلك، واللهُ أعلم.

وقد ذكَرْنا أحكامَ الغُلول وعُقوبةَ الغالِّ وما للعُلماء في ذلك كلّه مُمهّدًا في باب ثوْرِ بنِ زيد (١) من هذا الكتاب، والحمدُ لله، وبه التوفيق.


(١) في أثناء شرح الحديث الأول له، عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سلف في موضعه، وهو في الموطّأ ١/ ٥٩١ (١٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>