للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبارُ الخوارج بالنَّهْروان، وقتلُهم للرِّجال والوِلْدان، وتكفيرُهم الناسَ، واستحلالُهم الدماءَ والأموالَ، مشهورٌ معروفٌ، ولأبي زيدٍ عُمرَ بنِ شَبّةَ في أخبارِ النَّهْروانِ وأخبارِ صِفِّينَ ديوانٌ كبير، مَن تأمَّله اشتفَى من تلك الأخبار، ولغيرِه في ذلك كتبٌ حِسانٌ، واللهُ المستعان.

وروَى إسرائيلُ، عن مُسلم بنِ عُبيد، عن أبي الطُّفيل، عن عليٍّ في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} الآية [الكهف: ١٠٣]. قال: هم أهلُ النهر (١).

وروَى الثوريُّ، عن قيسِ بنِ مُسلم، عن طارقِ بنِ شهاب: أن عِتريسَ بنَ عُرقُوبٍ أتى عبدَ الله بنَ مسعودٍ فقال: يا أبا عبدِ الرحمن، هلَك مَن لم يأمرْ بالمعروفِ ولم ينهَ عن المنكر. فقال عبدُ الله بنُ مسعود: هلَك من لم ينكرِ المنكرَ بقلبِه، ولم يعرفِ المعروفَ بقلبه (٢).


(١) أخرجه نحوه عبد الرزاق في تفسيره ١/ ٤١٣، ومن طريقه ابن جرير الطبري في تفسيره ١٨/ ١٢٧ كلاهما عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطُّفيل عامر بن واثلة، قال: قام ابن الكوّاء -هو عبد الله، من زعماء الخوارج- إلى عليٍّ، فقال: مَن {بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}؟ قال: ويْلَكَ، أهل حروراء منهم.
وأورده ابن حجر في الفتح ٨/ ٤٢٥ وقال: "وليس الذي قاله عليٌّ ببعيد، لأن اللفظ يتناوله وإن كان السببُ مخصُوصًا".
وقال ابن كثير في تفسيره ٩/ ٢٠٠ بعد أن ساق حديث مصعب بن سعد عن أبيه الذي أخرجه البخاري (٤٧٢٨)، أنه سأل أباه عن هذه الآية فقال: "هُمُ الحَرُوريةُ؟ قال: لا، هُم اليهود والنصارى، أمّا اليهود فكذّبوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وأمّا النصارى فكفروا بالجنّة، وقالوا: لا طعامَ فيها ولا شراب، والحَرُوريّةُ: الذين ينقُضونَ عهدَ الله من بعد ميثاقه. وكان سعدٌ يُسمِّيهم الفاسقين". ثم ذكر الأثرَ المرويُّ عن عليٍّ وقال: "ومعنى هذا عن عليٍّ رضي الله عنه: أنّ هذه الآيةَ الكريمة تشمل الحروريةَ كما تشمل اليهودَ والنصارى وغيرَهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخُصوص، ولا هؤلاء، بل هي أعمُّ من هذا، فإن هذه الآية مكيّةٌ قبلَ خطاب اليهود والنصارى، وقبل وُجود الخوارج بالكُلّية، وإنما هي عامّة في كلِّ مَنْ عَبَد اللهَ على غير طريقةٍ مرضيّةٍ يَحسَبُ أنه مُصيبٌ فيها وأنّ عمله مقبولٌ وهو مخطئٌ وعملُه مردودٌ".
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٨٧٣٦)، والطبراني في الكبير ٩/ ١٠٧ (٨٥٦٤)، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١/ ١٣٥، ورجال إسناده ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>