للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقولِ سُراقةَ بنِ جُعْشُم: يا رسولَ اللّه، علِّمْنا تعليمَ قوم أسلَموا اليومَ، أعُمْرتُنا هذه لعامِنا هذا، أم لأبدٍ؟ فقال: "بل لأبدٍ، بل لأبدٍ" (١).

قال أبو عُمر: ليس في هذا حُجّةٌ؛ لأنَّ قولَه -صلى الله عليه وسلم-: "لو استقبَلتُ من أمري

ما استدبَرتُ لجعلتُها عُمرةً". إنما معناه: لأهلَلتُ بعُمْرة، وجعَلتُ إحرامي بعُمرةٍ أتمتَّعُ بها. وإنما هذا حُجّةُ لمَن فضَّل التمتُّع، وأما مَن أجاز فَسْخَ الحجِّ في العُمرة، فما له في هذا حُجّة؛ لاحتمالِه ما ذكَرنا، وهو الأظهرُ فيه.

وأما قولُه لسُراقة: "بل للأبد". فإنما معناه: أن حَجّتَه تلك وعُمرتَه ليس عليه ولا على مَن حجَّ معه غيرُها للأبد، ولا على أُمَّتِه غيرُ حجة واحدة، أو عُمرةٍ واحدة في مذهبِ مَن أوجَبها في دَهْرِه للأبد، لا فريضةَ في الحجِّ غيرُها. هذا معنى قولِه لسراقة، واللّهُ أعلم.

وذكَر عبدُ الرزاق (٢)، قال: أخبرنا ابنُ جُريج ومَعْمرٌ، عن ابنِ طاووس، عن أبيه، قال: قدِمُوا بالحجِّ خالصًا لا يخالِطُه شيءٌ، وكانوا يرون العُمرةَ في أشهُرِ الحجِّ أفجَرِ الفُجور، وكانوا يقولون: إذا برَأ الدَّبَر، وعفا الأثَر، وانسلَخَ صَفَر، حلَّت العُمرةُ لمن اعتمَرْ. وكانوا يدعُون المحرمَ صَفَر (٣)، فلمّا حجَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خطَبهم فقال: "مَن كان أهلَّ بالحجِّ فلْيَطُفْ بالبيتِ وبينَ الصفا والمروة، ثم ليحْلِقْ أو ليقصِّرْ، ثم ليَحِلَّ إلا مَن كان معه هَدْيٌ". قال: فبلَغه أنهم يقولون:


(١) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٢) من طريقه أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (٢٤٢٨) مختصرًا دون المرفوع منه. وهو مرسل. وهو عند عبد الرزاق في المصنَّف ٧/ ٥٠٣ (١٤٠٤١) بنحو السياق المذكور مع قصّة سُراقة بن جُعشم، ولكن عن معمر بن راشد، عن عبد العزيز بن عمر، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه سبرة بن معبد الجهني، وقد سلف تمام تخريجه قريبًا، ص ٣٤٤.
(٣) ينظر ما سلف قبل قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>