للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلْقٍ وجمال، فقال عُمرُ لحفصةَ: مَن هذه؟ فقالت: هذه عاتِكةُ ابنةُ زيدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفيل. فقال عُمرُ: اخطُبيها علَيَّ. قال: فذكَرتْ حفصةُ لها ذلك. فقالت: إنَّ عبدَ الله بنَ أبي بكر جعَل لي جُعْلًا على ألا أتزوجَ بعدَه. فقالت ذلك حفصةُ لعُمرَ، فقال لها عُمرُ: مُريها فلتَرُدَّ ذلك على ورثتِه وتزوَّجُني. قال: فذكَرت ذلك لها حفصةُ، فقالت لها عاتكةُ: أنا اشترِطُ عليه ثلاثًا؛ ألا يضْرِبَني، ولا يمنعَني من الحقِّ، ولا يمنعَني عن الصلاةِ في مسجدِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- العشاءَ الآخرة. فقالت حفصةُ لعُمرَ ذلك، فتزوَّجها، فلمّا دخَل عليها أوْلمَ عليها، ودعا أصحابَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ودعا فيهم عليَّ بنَ أبي طالب، فلمّا فرَغوا من الطعام وخرَجوا، خرَج عليٌّ فوقَف فقال: أهاهنا عاتكةٌ؟ قالوا: نعم. فصارت خلفَ السِّترِ وقالت: ما تريدُ بأبي وأُمّي؟ فذكَّرها بقولِها في عبدِ الله بنِ أبي بكر:

فآليتُ لا تنفكُّ عيني سخينةً ... عليكَ ولا ينفكُّ جِلْديَ أغْبَرَا

تلك الأبيات. وقال لها: هل تقولين الآن هذا. فبكَت عاتكةُ، فسمِع عُمرُ البكاءَ فقال: ما هذا؟ فأُخبِر، فقال لعليٍّ: ما دعاك إلى ذلك؟ غمَمْتَها وغمَمْتَنا. قال: فلبِثتْ عندَه حتى أُصيبَ رحمه الله، فرثَتْه بأبياتٍ وذكرها، قد ذكَرْتُها في بابها من كتابِ النساءِ من كتابي في "الصحابة" (١). ثم اعتدَّتْ، فلمّا انقضَت عدَّتُها خطَبها الزُّبيرُ بنُ العوام، فقالت له: نعم، إن شرَطتَ لي الثلاثَ الخِصالَ التي اشترَطتُها على عُمرَ. فقال: لكِ ذلك. فتزوَّجها، فلمّا أرادت أن تخرُجَ إلى العشاءِ شقَّ ذلك على الزُّبير، فلما رأت ذلك قالت: ما شئتَ، أتريدُ أن تمنعَني؟ فلمّا عيلَ صبرُه (٢) خرَجت ليلةً إلى العشاء، فسبَقها الزبيرُ فقعَد لها على الطريقِ من حيثُ لا تراه، فلمّا مرَّت جلَس خلفَها فضرَب بيدِه على عَجُزِها، فنفَرت من ذلك ومضَت،


(١) الاستيعاب ٤/ ١٨٧٨ - ١٨٧٩.
(٢) قوله: "عِيْلَ صبْرُه" أي غُلِبَ. ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ٣/ ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>