للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا كان أولُ الصُّبح أمَرني فأذَّنتُ، ثم قام إلى الصلاة، فجاء بلالٌ ليُقيم، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أخا صُداءٍ أذَّن، ومَن أذَّن فهو يُقيم" (١).

قال أبو عُمر: عبدُ الرحمن بنُ زيادٍ هو الإفريقيُّ، وأكثرُهم يُضَعِّفونه، وليس يَروي هذا الحديثَ غيرُه، والحديثُ الأولُ أحسنُ إسنادًا إن شاء الله (٢)، والنظرُ يدُلُّ عليه؛ لأنَّ الأذانَ ليس مضمَّنًا بالإقامةِ لأنه غيرُها، وإن صحَّ حديثُ الإفريقي -فإن من أهل العلم مَن يُوثِّقُه ويُثني عليه- فالقولُ به أولى؛ لأنه نصٌّ في موضع الخلاف، وهو متأخِّرٌ عن قصةِ عبدِ الله بنِ زيدٍ مع بلال، والآخِرُ فالآخِرُ من أمرِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أوْلى أن يُتَّبع، ومع هذا فإنّي أستحِبُّ إذا كان المؤذِّنُ واحدًا راتبًا أن يتولَّى الإقامة، فإنْ أقامَها غيرُه فالصلاةُ ماضيةٌ بإجماع. والحمدُ لله.

قال أبو عُمر: قد مَضَى في الإقامةِ من البيانِ ما فيه غِنًى وتبيانٌ في باب أبي الزِّناد (٣) وغيرِه والحمدُ لله، وذكرنا هاهُنا من الأذانِ ما في معنى حديثِنا؛ لأنه في بَدْءِ الأذان، وترَكْنا حديثَ أبي مَحْذورة؛ لأنه ليس في ابتداءِ الأذان، وفيه من الاختلافِ في صفتِه وكيفيتِه كالذي من ذلك في حديثِ عبدِ الله بن زَيْدٍ على ما ذكَرنا، والأحاديثُ في ذلك كلِّه حِسانٌ، وبالله التوفيقُ.


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٤٧٥، وأحمد في المسند ٢٩/ ٧٩ (١٧٥٣٧)، والبخاري في التاريخ الكبير ٣/ ٣٤٤ (١١٦٢)، وأبو داود (٥١٤)، والترمذي (١٩٩)، وابن ماجة (٧١٧)، وإسناده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم: وهو الإفريقي، وبقيّة رجال إسناده ثقات. زياد بن نُعيم: هو زياد بن ربيعة بن نُعيم الحضرمي، وقد يُنسَب إلى جدّه.
قال الترمذي: "وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقيِّ، والإفريقيُّ هو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضعّفه يحيى بن سعيد القطّان وغيرُه، قال أحمد: لا أكتُب حديث الإفريقيّ، ورأيت محمد بن إسماعيل يُقوِّي أمرَهُ، ويقول: هو مقاربُ الحديث. والعملُ على هذا عند أكثر أهل العلم: أنّ مَنْ أذّنَ فهو يُقيمُ".
(٢) بل الحديثان ضعيفان، فالحديث الأوّل ضعّفه البخاريُّ وغيره من جهة إسناده أيضًّا.
(٣) في أثناء شرح الحديث الثالث والثلاثين له عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو في الموطأ ١/ ١١٧ (١٧٧)، وقد سلف في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>