للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: هذا يدُلُّ على أنهما أوكَدُ من الوَتر؛ لأنَّ الوترَ من صلاةِ الليل، فإنما هو وَترُ صلاةِ الليل، وصلاةُ الليل نافلةٌ بإجماع المسلمين، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: ٧٩].

فلمّا كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ تعاهُدًا ومواظبةً وإسراعًا إلى رَكْعتَي الفجرِ منه إلى سائرِ النوافل -دَلَّ على تأكيدِها، وإنما تُعرَفُ مؤكَّداتُ السُّنَن بمواظبةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عليها، لأنَّ أفعالَه كلَّها سُنَن، صلواتُ الله وسلامُه عليه، ولكنَّ بعضَها أوكَدُ من بعض، ولا يُوقَفُ على ذلك إلا بما واظبَ عليه، ونَدَبَ إليه منها، وبالله التوفيق.

وممن قال: إنَّ رَكْعتَي الفَجْر سُنّة مؤكَّدة: مالكٌ فيما روَى عنه أشهَبُ، وعليُّ بنُ زياد. وهو قولهما، وقولُ الشافعيّ، وأحمدَ بنِ حنبل، وإسحاق، وداود، وجماعةِ أهلِ الفقهِ والأثر، فيما علِمتُ، لا يختلفون في ذلك (١). واستدلَّ بعضُهم على تأكيدِها بقضاءِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لها حينَ نام عن صلاةِ الفَجْر (٢)، ولم يَقضِ شيئًا من السُّنَن غيرَها بعدَ انقضاءِ وقتِها.

حدَّثنا عبدُ الوارث (٣)، قال: حدَّثنا قاسمٌ، قال: حدَّثنا بكرٌ، قال: حدَّثنا مُسدَّدٌ، قال: حدَّثنا أبو عَوانة، عن قتادة، عن زُرارةَ بنِ أوفَى، عن سَعْدِ بنِ هشام، عن عائشةَ، قالت: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "رَكْعتا الفَجْر خَيرٌ من الدُّنيا وما فيها" (٤).


(١) ينظر: المدوّنة ١/ ٢١٠ - ٢١١، والأوسط لابن المنذر ٥/ ٢٢٩، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ٢١٤.
(٢) ينظر ما سلف في شرح الحديث الثالث والأربعين لمرسل زيد بن أسلم.
(٣) هو عبد الوارث بن سفيان بن جبرون، وشيخه قاسم: هو ابن أصبغ البياني، وشيخه بكر: هو ابن حمّاد التاهَرْتي.
(٤) أخرجه ابن المنذر في الأوسط ٥/ ٢٢٥ (٢٧٤٦)، والبيهقي في الكبرى ٢/ ٤٧٠ (٤٦٤٤) من طريق مسدّد بن مسرهد، به.
وأخرجه مسلم (٧٢٥)، والترمذي (٤١٦) من طريق أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، به. قتادة: هو ابن دعامة السدوسيُّ، وسعد بن هشام: هو ابن عامر الأنصاري المدنيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>