للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ كلامَ الله عزَّ وجلَّ غيرُ مَخْلوق؛ لأنه لا يُستعاذُ بمَخْلُوقٍ وليس في هذا الحديثِ ما يحتاجُ إلى تفسير إلا قوله: "وأن يَحضُرون". فإن أهلَ المعاني قالوا: معناه: وأن يُصيبوني بسُوء. وكذلك قال أهلُ التفسير في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: ٩٧ - ٩٨]: يُصيبوني بسُوء. قال: ومثلُ هذا قولُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الحُشوشَ محُتضَرَةٌ" (١)؛ أي: يُصابُ الناسُ فيها. ومن هذا أيضا قولُ الله عزَّ وجلَّ: {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨]؛ أي: يُصيبُ منه صاحبُه.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣٢/ ٣٨ (١٩٢٨٦)، وأبو داود (٦)، والترمذي في العلل الكبير (٣)، وابن ماجة (٢٩٦)، والنسائي في الكبرى ٩/ ٣٤ (٩٨٢٠) من طريق عن شعبة بن الحجاج، عن قتادة بن دعامة، عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إنّ هذه الحُشُوشَ محتضرة، فإذا دخَلَ أحدُكم الخَلاءَ فلْيَقُل: اللهمَّ إنّي أعوذُ بكَ من الخُبْثِ والخبائث"، ورجال إسناده ثقات.
ولكن اختلف فيه على قتادة، فقد رواه عنه شعبة كما في هذا الحديث، ورواه عنه سعيد بن أبي عُروبة، فقال: "عن قتادة، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن زيد بن أرقم، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-" وهو عند ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢)، وأحمد في المسند ٣٢/ ٨٠ (١٩٣٣١)، وابن ماجة بإثر (٢٩٦)، والنسائي في الكبرى ٩/ ٣٤ (٩٨٢١). قال الترمذي في العلل الكبير ١/ ٢٢: "قلتُ لمحمد -يعني البخاريَّ-: فأيُّ الرواياتِ عندك أصحُّ؟ قال: لعلّ قتادة سمع منهما جميعًا عن زيد بن أرقم، ولم يقْضِ في هذا بشيء".
ونقل ابن أبي حاتم في العلل ١/ ٤١٦ - ٤١٧ (١٣) عن أبي زرعة الرازي الاختلاف الوارد في إسناده، فقال: "وحديثُ عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس أشبَهُ عندي".
قلنا: وحديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه عند البخاري (١٤٢) و (٦٣٢٢)، ومسلم (٣٧٥) بلفظ أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دَخَل الخلاءَ قال: "اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخُبْثِ والخبائث" دون قوله في أوّله: "إن هذه الحُشوش محتضرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>