للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِفْظُه في اسم هذا الرجل رجَع إلى إسقاطِ اسمِه، وقال: عن ابنِ حِماس. ويحيى من آخرِ مَن عَرَض عليه "الموطأ"، وشهِد وفاتَه، ويقال: إنَّ القَعْنَبيَّ شهِد وفاتَه أيضًا، ولذلك انصرَف إلى العراق.

وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَتُتْرَكَنَّ المدينةُ على أحسنِ ما كانت". دليلٌ على علمِه من الغيب بما كان يُنبَّأُ به وُيطلَعُ عليه من الوحي، وفي ذلك عَلَمٌ واضحٌ من أعلام نبوَّتِه -صلى الله عليه وسلم-.

وأما قوله: "فيُغَذِّيَ على بعض سواري المسجد". فمعناه أن الذئبَ يَبولُ على بعضِ سواري المسجدِ أو على المنبر -شكَّ المحدِّثُ- وذلك لخلاءِ المدينةِ من أهلِها ذلك الزمان، وخُروج الناسِ عنها وتغيُّرِ الإسلام فيها، حتى لا يكونَ بها مَن يَهتبِلُ بالمسجدِ فيصونُه ويحرُسُه (١)، يقال من هذا الفعل: غذَّت المرأةُ ولدَها -بالتشديد-: إذا أبالتْهُ، أي: حمَلتْه على البولِ وجعَلتْه يبولُ، وغذَت ولدَها -بالتخفيف-: إذا أطعَمتْه وربَّتْه، من الغِذاء.

وأما قولُه في هذا الحديث: "للعَوافي: الطيرِ والسِّباع". فالطيرُ والسِّباعُ تفسيرٌ للعوافي، وهو تفسيرٌ صحيحٌ عندَ أهلِ الفقهِ وأهلِ اللغةِ أيضًا، ومما يعْضُدُ هذا


(١) قال القاضي عياض: "هذا ما جرى في العصر الأوّل وانقضى" وخالفه النوويُّ فقال: "فالظاهرُ المختار أنّ هذا التّرْكُ للمدينة يكون في آخِر الزّمانِ عند قيام الساعة، ويوضِّحه قصّة الراعيين من مُزينة، فإنهما يخرّان على وجوهِهما حين تُدركهما الساعةُ، وهما آخِرُ مَنْ يُحشَر كما ثبت في صحيح البخاري".
ينظر: إكمال المعلم ٤/ ٢٦٣، وشرح النووي على مسلم ٩/ ١٦٠. والحديث المشار إليه عند النووي هو في صحيح البخاري (١٨٧٤)، ومسلم (١٣٨٩) من حديث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يتركُون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلّا العوافي، وآخِرُ مَنْ يُحشر راعيانِ من مُزينة، يُريدان المدينة، يَنْعِقان بغَنَمِهما، فيَجِدانها وحْشًا، حتى إذا بلغا ثنيّة الوداع، خرّا على وُجوهِهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>