للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروَى مالكٌ، عن الأوزاعيِّ، عن ابنِ شهاب، عن عُروةَ، عن عائشةَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُحبُّ الرِّفْقَ في الأمرِ كلِّه" (١).

والرِّفْقُ المذكورُ في هذا الحديثِ أُشيرَ به إلى الرفقِ بالدوابِّ في الأسفار، وأمَر المسافرَ في الخِصبِ بأن يمشيَ رُويدًا ومَهلًا، ويُكثِرَ النزولَ لترعَى دابّتُه وتأكُلَ من الكلإ وتنالَ من الحشيشِ والماء، هذا كلُّه إذا كانتِ الأرضُ مُخصبةٌ والسفرُ بعيدًا، ولم تَضِمْ صاحبَه ضرورةٌ إلى أن يَجدَّ في السير، فإذا كان عامُ السَّنةِ وأجدَبتِ الأرضُ، فالسُّنَّةُ للمسافرِ أن يُسرعَ السيرَ ويسعى في الخروج عنها، وبدابتِه شيءٌ من الشَّحم والقوةِ إلى أرضِ الخِصْب. والنَّقْيُ في كلام العرب: الشحمُ والوَدَكُ.

وأما قوله: "فإنّ الأرضَ تُطوَى بالليل". فمعناه، واللهُ أعلم، أنَّ الدابةَ بالليل أقوى على المشي إذا كانت قد نالَت قوَّتَها واستراحَتْ نهارَها، تضاعَف مشيُها، ولهذا نُدِبَ إلى سيرِ الليل، واللهُ أعلمُ بما أراد، لا شريكَ له.

وقد كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو لمَن ودَّعه: "اللَّهمَّ اطْوِ له البُعْدَ، وازوِ له الأرض، وهوِّنْ عليه السفرَ".

أخبَرنا عبدُ الله بنُ محمد (٢)، قال: حدَّثنا الحسنُ بنُ إسماعيل، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ عليِّ بنِ الحُسين، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ مَرْزوق، قال: حدَّثنا عُثمانُ بنُ


(١) أخرجه أحمد في المسند ٤١/ ١٠٣ (٢٤٥٥٣)، والبخاري في التاريخ الكبير ٤/ ٨٤ (٢٠٤٣)، وابن ماجه (٣٦٨٩)، والدارميُّ في سننه (٢٧٩٤)، وابن حبّان في صحيحه ٢/ ٣٠٧ (٥٤٧)، والطبراني في الأوسط ٤/ ٣١ (٣٥٣٥)، وفي الصغير ١/ ٢٦٢ (٤٢٩) من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، به. وهو حديث صحيح، ورجال إسناده ثقات.
(٢) هو عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي، المعروف بابن الفرضي، صاحب مصنّف "تاريخ علماء الأندلس"، وشيخه الحسن بن إسماعيل: هو ابن محمد المصري، المعروف بالضرّاب، راوي كتاب المجالسة للدّينوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>