للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعزاءً من كُلِّ مُصيبةٍ، ودَرَكًا من كلِّ فائتٍ، فباللّه فثِقُوا، وإيّاه فارْجُوا، فإنّ المُصابَ من حُرِمَ الثَّواب (١).

قال عليّ - رضيَ الله عنه -: وتَوَلَّى غُسْلَه - صلى الله عليه وسلم - العباسُ وأنا والفَضْلُ. قال عليٌّ: فلم أره يعتادُ فاه في الموتِ ما يَعْتادُ أفواهَ المَوْتَى. ثم لمّا فرَغ عليٌّ من غُسلِه، وأدْرَجَه في أكفانِه، كشَف الإزارَ عن وجهِه، ثم قال: بأبي أنتَ وأمِّي، طبْتَ حيًّا، وطِبْتَ ميِّتًا، انْقَطَعَ بمَوْتِكَ ما لم يَنْقَطِعْ بمَوْتِ أحَدٍ ممن سواكَ، من النُّبُوَّةِ والأنبياء، خَصَصْتَ حتى صِرْتَ مُسْليًا عمن سِواكَ، وعَمَمْتَ حتى صارَت المصيبَةُ فيك سواءً، ولولا أنَّكَ أمَرْتَ بالصَّبْرِ ونَهَيْتَ عن الجَزَع، لأنْفَدْنا عليك الشُّئون (٢)، بأبي أنتَ وأمِّي، اذْكُرْنا عندَ ربِّكَ، واجْعَلْنا من هَمِّكَ. ثم نظَر إلى قَذاةٍ في عَيْنِه فلفِظها بلسَانِه، ثم رَدَّ الإزارَ على وجهه - صلى الله عليه وسلم -.

وقد قال بعضُ الناس وقطَعَ: إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُنزعْ عنه ذلك القميصُ، وإنّه كُفِّنَ فيه مع الثلاثةِ الأثْوابِ السَّحُوليّة. وهذا ليس بشيءٍ، ومعلوم أنّ الثوبَ الذي يُغَسَّلُ فيه الميِّتُ ليس من ثيابِ أكفانِه، وثيابُ الأكفانِ غيرُ مبلولَةٍ، وقد قالت عائشةُ: كُفِّنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثةِ أثوابٍ بيضٍ سَحُوليّةٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ (٣). تعني: ليس في أكفانه قميصٌ ولا عمامةٌ. وسيأتي القولُ في ذلك في موضِعِه من كتابِنا هذا إن شاء الله.


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في الهواتف (٨) و (٩) من طريقين، الأولى: من طريق علي بن الحسين عن علي - رضي الله عنه -، وهو منقطع، فإن علي بن الحسين لم يدرك جده عليًا، كما في المراسيل لابن أبي حاتم ١٣٩. والثاني من طريق سويد بن غفلة عن علي، وفي إسناده خارجة بن مصعب، وهو متروك كان يدلس عن الكذابين، كما في التقريب (١٦١٢).
(٢) الشؤون: الدموع.
(٣) الموطأ ١/ ٣٠٧ (٥٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>