للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبّاسٍ في هذه المسألةِ: خُذْ بيُسْرِ الله (١). وهذا منه إباحَةٌ للصومِ والفِطْرِ للمُسافِرِ، خِلافُ القولينِ اللذين ذكرناهما عنه.

وعلى إباحَةِ الصوم والفِطْرِ للمسافرِ جماعةُ العلماءِ وأئمَّةُ الفقهِ بجميع الأمصارِ، إلّا ما ذكَرتُ لك عمّن قدَّمنا ذِكْرَه، ولا حُجَّةَ في أحَدٍ مع السُّنةِ الثابِتَةِ، هذا إن ثبَت ما ذكرناه عنهم، وقد ثبَت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وُجُوهٍ أنّه صام في السَّفرِ، وأنه لم يَعِبْ على من أفطَر، ولا على من صام. فثبَتَتْ حُجَّتُه، ولَزِم التَّسليمُ له، وإنّما اختلَف الفقهاءُ في الأفضَلِ من الفِطرِ في السَّفَرِ أو الصَّوْمِ فيه لِمَن قدَر عليه؛ فرَوينا عن عُثْمانَ بن أبي العاص الثقفيِّ (٢) وأنسِ بن مالِكٍ صاحِبَيْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، أنّهما قالا: الصومُ في السَّفرِ أفضلُ لِمَن قَدَر عليه (٣). وهو قولُ أبي حنيفةَ وأصحابِه. ونحوُ ذلك قولُ مالكٍ والثورِيِّ؛ لأنّهما قالا: الصومُ في السَّفَرِ أحَبُّ إلينا لِمَن قَدَر عليه (٤).

فاستَدلَلنا أنّهم لم يَستَحسِنوه إلّا أنّه أفضلُ عندَهم.

وقال الشَّافعيُّ ومن اتّبَعه: هو مُخيَّرٌ، ولم يُفَضِّلْ. وكذلك قال ابن عُليَّةَ. وقد روي عن الشَّافعيِّ أن الصومَ أحَبُّ إليه (٥). ولم يُختلفْ عن ابن عُليَّةَ أنّه لا يُفَضِّلُ، وهو ظاهِرُ حديثِ أنَسٍ هذا. وروي عن ابن عمرَ وابن عباسٍ أنّ الرُّخصةَ أفضَلُ (٦).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٩٠٥٦). وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار ٢/ ٦٦، بلفظ: "إنما أراد الله عزّ وجلّ بالفطر في السفر التيسير عليكم، فمن يَسُرَ عليه الصيام فليصم، ومن يَسُرَ عليه الفطر فليفطر".
(٢) في الاستيعاب ١/ ٣١٨.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٩٠٦٧) و (٩٠٧٤) و (٩٠٧٦).
(٤) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ١٩.
(٥) المصدر نفسه، قال: "إن صام في السفر أجزأه".
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (٩٠٥٩) و (٩٠٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>