للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضُ أهل العلم عيادةَ الكافر؛ لِما في العيادةِ من الكرامة، وقد أُمِرنا ألّا نبدأهم بالسلام (١)، فالعيادةُ أولى ألّا تكون، فإن أتوْنا فلا بأسَ بحُسْنِ تلَقِّيهم؛ لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: ٨٣]. دخَل فيه الكافرُ والمؤمنُ، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكُم كريمُ قوم -أو كريمةُ قوم- فأكْرِمُوه" (٢). وقد أكثَر الناسُ في هذَين المعنَيين، وقد كان طاووسٌ يُسلِّمُ على كلِّ مَن لقيَ من مسلم وذمّيّ، ويقول: هي للمسلم تحيةٌ، وللكافرِ ذِمّة.

وعلى ظاهرِ هذا الحديث وعُمومِه لا بأسَ بالعيادةِ في كلِّ وقت، وقد كرِهَها طائفةٌ من العلماءِ في أوقات.

قال الأثرم: سمِعتُ أبا عبدِ الله -يعني أحمدَ بنَ حنبل- وقال له شيخٌ كان يخدُمُه: تجيءُ إلى فلان؟ مريض سمّاه يعودُه، وذلك عندَ ارتفاع النهار في الصيف، فقال: ليس هذا وقتَ عيادة (٣).


= عن أنس رضي الله عنه، قال: كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فمَرِضَ، فأتاه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يعُودُه، فقعد عند رأسِه، فقال له: "أسْلِمْ" فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: ""أطِعْ أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"، فأسْلَمَ، فخرج النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الحمدُ لله الذي أنقذه من النار" وعند بعضهم "أنقذه ربي من النار".
(١) يروى مرفوعًا بإسناد صحيح من وجوه عديدة من حديث مرثد بن عبد الله اليَزَنيِّ، عن أبي بصرةَ الغفاريِّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّا غادونَ غدًا إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلَّموا عليكم فقولوا: وعليكم".
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٦٢٧٥)، وأحمد في المسند ٤٥/ ٢١٠ (٢٧٢٣٦) و ٤٥/ ٢١١ (٢٧٢٣٧)، والبخاري في الأدب المفرد (١١٠٢)، وابن ماجه (٣٦٩٩)، والترمذي في العلل الكبير (٦٣٤)، وقد سلف بهذا المعنى بإسناد المصنِّف، ولكن من حديث مرثد اليَزَنيّ، عن أبي عبد الرحمن عقبة بن عامر الجهني، به، في أثناء شرح الحديث السابع عشر لعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو في الموطأ ٢/ ٥٤٩ (٢٧٥٩)، وقال الترمذي: "فسألتُ محمدًا، فقال: عن أبي بصرة أصحُّ، وعن أبي عبد الرحمن الجُهنيّ وهِمَ فيه ابنُ إسحاق، والصحيح عن أبي بصرة".
(٢) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الثالث من مراسيل محمد بن شهاب الزُّهريّ في ٧/ ٤١٢.
(٣) ينظر: الفُروع لابن مفلح ٣/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>