للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمّا قولُه: وبه أثَرُ صُفْرَةٍ. فيُرْوَى أنّ الصُّفْرَةَ كانت من الزَّعْفَرانِ، وإذا كان ذلك كذلك، فلا يجوزُ أنْ تكونَ إلّا في ثِيابِه، واللّهُ أعلمُ؛ لأنّ العلماءَ لم يَخْتَلِفُوا - فيما عَلِمْتُ - أنّه مَكْرُوهٌ للرَّجُلِ أنْ يُخَلِّقَ جَسَدَه بخَلُوقِ الزَّعْفَرَانِ. وقد اخْتَلَفُوا في لِبَاسِ الرَّجُلِ للثِّيابِ المُزَعْفَرَةِ؛ فأجازَها أهلُ المدينةِ، وإلى ذلك ذهَبَ مالِكٌ وأصحابُه. وكَرِهَ ذلك العراقيون، وإليه ذهَبَ الشافعيُّ. ولكلِّ واحدٍ منهم آثارٌ مَرْوِيَّةٌ بما ذهَبَ إليه عن السَّلَفِ، وآثارٌ مرفوعةٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

فأمّا الروايةُ بأنّ الصُّفْرَةَ كانت على عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ زَعْفَرانًا، فحدَّثنا عبدُ الوارِثِ بن سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصْبَغَ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إسحاقَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ بن سعيدٍ، عن حُمَيْدٍ الطويلِ، قال: سمِعتُ أَنَسَ بن مالكٍ يقولُ: قَدِمَ عبدُ الرحمنِ بن عوفٍ المدينةَ، فآخَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيْنَه وبينَ سَعْدِ بن الرَّبيعِ، فأتَى السُّوقَ فرَبِحَ شيئًا من أَقِطٍ وسَمْنٍ، فرَآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ أيّام وعليه وضَرُ صُفْرَةٍ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ؟ " (١) فقال عبدُ الرحمنِ: تزَوَّجْتُ امرأةً من الأنصارِ. قال: "فما سُقْتَ إليها؟ " قال: وَزْنَ نَواةٍ من ذَهَبٍ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"أوْلِمْ ولو بشاةٍ" (٢).

وحدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بَكْرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٣): حدَّثنا مُوسَى بن إسماعيلَ، قال: حدَّثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن ثابِتٍ البُنانِي وحُمَيْدٍ الطَّوِيل، عن أنَسِ بن مالكٍ، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى عبدَ الرحمنِ بنَ عَوْفٍ وعليه رَدْعُ (٤) زَعْفَرانٍ، فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ؟ "، فقال: يا رسولَ الله،


(١) مهيم: اسم فعل أمر بمعنى أخبر، ومعناه ما شأنك؟ أو ما هذا؟ ينظر فتح الباري ٩/ ٢٣٤.
(٢) أخرجه البخاري (٥٠٧٢) عن محمد بن كثير به، وأخرجه (٣٩٣٧) من طريق سفيان، به.
(٣) في السنن (٢١٠٩).
(٤) يأتي بيانه عند المصنف بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>