للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت تشتكي عينَيْها فتكتحِلُ بكُحْل الجِلاء، فأرسَلت مولاةً لها إلى أُمِّ سَلَمةَ فسألتْها عن كُحلِ الجِلاء (١)، فقالت: لا تكتحِلي به إلا من أمرٍ لا بدَّ منه يشتَدُّ عليك، فتكتحلي بالليل وتمْسَحيه بالنهار. ثم قالت عندَ ذلك أُمُّ سَلَمة: دخَل عليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حين تُوفِّي أبو سَلَمةَ وقد جعَلتُ على عينيَّ صَبِرًا فقال: "ما هذا يا أُمَّ سَلَمة؟ ". قالت: قلت: إنما هو صَبِرٌ يا رسولَ الله ليس فيه طيب. قال: "إنه يَشُبُّ الوجهَ، فلا تجعَليه إلا بالليل، وتَنزِعينه بالنهار، ولا تمْتَشِطي بالطِّيبِ ولا بالحِنّاء، فإنه خِضَابٌ". قالت: قلت: فبأيِّ شيءٍ أمتشِطُ يا رسولَ الله؟ قال: "بالسِّدْرِ تُغَلِّفين به رأسَكِ".

قال أبو عُمر: في حديثِ أمِّ سَلَمةَ هذا دليلٌ على أنَّ المرأةَ المُحِدَّ لا تكتَحِلُ بشيءٍ يُزَيِّنُها ويَشُبُّها، فإن اضطُرَّتْ إلى شيءٍ من ذلك جعَلتْه ليلًا ومسَحتْهُ بالنهار. وكلّ ما جاء عن أمِّ سَلَمةَ من الحديث في النّهْي عن اكتحالِ المرأةِ المُحِدِّ، فهذا يُفسِّرُه ويقضي عليه، وعليه فتوى الفقهاء؛ قال مالك: لا تكتحِلُ المرأةُ الحادُّ إلا أن تُضطرَّ، فإن اضطُرَّتْ فتكْتَحِلُ بالليل وتمسَحُه بالنهار، ويكونُ الكُحْلُ بغيرِ طِيب (٢)، ولا تكتحِلُ بالإثْمِد.


(١) كُحْل الجِلاء: قال أبو عُبيد القاسم بن سلّام: هو عندنا الإثمد، سُمّيَ بذلك لأنه يَجْلُو البصَرَ فيُقوّيه، أو يَجْلُو الوجه فيُحسّنه. غريب الحديث ٤/ ٣٣٨.
(٢) وهذا مخالفٌ لِما نقله عنه ابن القاسم كما في المدونة ٢/ ١٥، قال: "قال مالكٌ: لا تكتحل الحادُّ إلّا أن تُضطرَّ إلى ذلك، فإن اضطُرَّتْ فلا بأس بذلك وإن كان فيه طِيْبٌ، ودينُ الله يُسْرٌ".
وما نُقل عنه أخرجه هو نفسه في الموطّأ ٢/ ١١٥ (١٧٥٢) بلاغًا عن سالم بن عبد الله بن عمر، وسليمان بن يسار: أنهما كانا يقولانِ في المرأة يتوفّى عنها زوجُها: "إنّها إذا خشيَتْ على بصَرِها من رَمَدٍ، أو شكْوٍ أصابها أنها تكتحل، وتتداوى بدواءٍ أو كُحْل، وإن كان فيه طِيْبٌ"، وقد عقّب مالك (١٧٥٣) على ذلك فقال: "وإذا كانت الضرورة، فإنّ دينَ الله يُسْرٌ". =

<<  <  ج: ص:  >  >>