للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النومَ حتى ما منهم رجلٌ إلا وذقنُه في صدْرِه، ثم كلَّمهم مُكلّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يدْرُونَ مَن هو: أنِ اغْسِلوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابُه. فقاموا إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فغَسَلوه وعليه قميصُه، يَصُبُّون الماءَ فوقَ القميص، ويَدلُكونه بالقميصِ دونَ أيديهم. وكانت عائشةُ تقول: لو استقبَلتُ من أمري ما استدبَرتُ ما غَسَله إلا نساؤُه.

وذكَر مالكٌ (١) في بابِ دفنِ الميت، أنه بلَغه أنَّ أُمّ سَلَمةَ زوجَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالت: ما صدّقتُ بموتِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى سمِعتُ وقعَ الكَرازِين (٢). ولا أحفَظُه عن أمِّ سَلَمةَ متَّصلًا، والمعروفُ حديثُ عائشة: ما علِمنا بدَفْنِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).

وإن صحَّ حديثُ أمِّ سَلَمة، فلعله أن يكونَ أدرَكها من الجَزَع عليه ما أدرَك عُمرَ رضيَ الله عنه، فظَنَّت أنه غُشيَ عليه وأُسريَ به إلى ربِّه، على نحوِ ما ظنَّ عمرُ حينَ خطَبَهم فقال: إنَّ محمدًا لم يَمُتْ، وأنه ذُهِب به إلى ربِّه، وسيرجِعُ فيقطَعُ أيديَ رجال. فبلَغ ذلك أبا بكرٍ فأتاهم فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعدُ، مَن كان يعبُدُ محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبُدُ اللهَ فإن اللهَ حيٌّ لا يموتُ. ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} الآية [آل عمران: ١٤٤]. قال عُمرُ: فكأنّي لم أسمَعْ هذه الآية إلا يومئذ (٤).

قال أبو عُمر: الكَرازِينُ، يعني المساحِيَ والمحافِرَ. وقد ذكَرْنا هذا الخبرَ من حديثِ عائشةَ مُسنَدًا في هذا الباب، والحمدُ لله.


(١) الموطّأ ١/ ٣١٧ (٦٢٢).
(٢) سيأتي المصنِّف على ذكر معناه قريبًا.
(٣) سلف بإسناد المصنِّف مع تخريجه في أثناء هذا الشرح.
(٤) هو أول أحاديث هذا الشرح، وقد سلف تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>