للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَب مالكٌ (١) إلى أنَّ المَنْحَرَ لا يكون (٢) في الحجِّ إلا بمِنًى، ولا في العُمرةِ إلا بمكةَ، ومَن نحَر في غيرِهما لم يُجْزِئْه، ومَن نحَر في الحجِّ أو في العُمرةِ في أحدِ الموضعين أجزَأه؛ لأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- جعَلهما موضعًا للنحر، وخصَّهما بذلك، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥]. فلا بدَّ من أن يبلُغَ به البيت، ومِنًى من مكة.

وقال أبو حنيفةَ والشافعيُّ (٣): إن نحَر في غيرِ مِنًى ومكةَ من الحرم أجزَأه.

قالوا: وإنما لمكةَ ومِنًى اختصاصُ الفضيلةِ، والمعنى في ذلك الحرم، لأنَّ مكةَ ومِنًى حرَمٌ. وقد أجمَعوا أنَّ مَن نحَر في غيرِ الحرم لم يُجْزِئْه.

ومِن أحسَنِ طُرُقِ حديثِ هذا الباب ما حدَّثنا خلفُ بنُ القاسم، قال: حدَّثنا أبو الطيب وجيهُ بنُ الحسنِ بنِ يوسف، قال: حدَّثنا بكّارُ بنُ قُتيبةَ القاضي، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ الزُّبير الحُميديُّ، قال: حدَّثنا سُفيانُ، عن عبدِ الرّحمنِ بنِ الحارثِ بنِ عَيّاشِ بنِ أبي ربيعة، عن زيدِ بنِ عليِّ، عن أبيه، عن عُبيدِ الله بنِ أبي رافع، عن عليِّ بنِ أبي طالب، قال: وقَف رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفةَ فقال: "هذه عرفةُ، وهذا الموقِفُ، وعرفةُ كلُّها موقِفٌ". ثم أفاض حينَ غرَبتِ الشمسُ، فأردَف أُسامة، وجعَل يسيرُ على هينتِه، والناسُ يضرِبون يمينًا وشمالًا، وهو يقول: "يا أيَّها الناسُ، عليكم بالسَّكِينة". ثم أتى جَمْعًا فصلَّى بها الصلاتين جميعًا، فلما أصبَح أتى قُزَحَ فقال: "هذا قُزَحُ، وهذا الموقِفُ، وجَمعُ كلُّها موقِفٌ". ثم أفاض فلما انتهَى إلى وادي مُحَسِّر، قرَع ناقتَه حتى جاز الوادي، ثم وقَف، وأردَف الفَضْل، ثم أتى


(١) المدوّنة ١/ ٤٥٢.
(٢) كتب ناسخ الأصل في الأصل: "يكون" ثم كتب فوقها: يجوز، ولفظة "يكون" في ي ٢، وبها يستقيم قوله: "المنحر".
(٣) الأمّ ٢/ ١٧٣ - ٢٤٠، وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>