للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأُنْسِيَها بعدَ أن كان عَلِمها، ولم تُرْفَعْ رَفْعًا لا تعودُ بعدَه؛ لأنّ في حديثِ أبي ذَرٍّ أنّها في كلِّ رمضانٍ، وأنّها إلى يومِ القِيامةِ. ويدُلُّ على ذلك من هذا الحديثِ قولُه: "فالْتَمِسُوها". إلّا أنّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ معنى قولِه: "الْتَمِسُوها": في سائرِ الأعْوام، أو في العام المقْبِلِ؛ فإنّها رُفِعَتْ في هذا العامِ. ويَحْتمِلُ أن تكونَ رُفِعَتْ في تلك الليلةِ من ذلك الشَّهْرِ، ثم تَعودَ فيه في غيرِها. وفي ذلك دليلٌ على أنّها ليس لها ليلةٌ مُعَيَّنَةٌ لا تَعْدُوها، واللهُ أعلمُ.

وكان سببَ رَفْع عِلْمِها عنه ما كان من التَّلاحِي بينَ الرجلَيْن، واللهُ أعلمُ. وأمّا المُلاحاةُ فهي: التَّشاجُرُ ورَفْعُ الأصواتِ، والمراجَعَةُ بالقولِ الذي لا يَصْلُحُ على حالِ الغَضَبِ، وذلك شُؤْمٌ، واللهُ أعلمُ. وقد نهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنها وعن المِراءِ أشَدَّ النَّهْي (١). ورُويَ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "نَهاني رَبِّي عن مُلَاحاةِ الرجالِ" (٢). وقيل: المُلاحاةُ: السَّبُّ، يُقالُ: تلاحَيَا: إذا اسْتَبَّا، ولَحَانَي: أسْمَعني ما أكْرَهُ من قَبِيح الكلام، وأُنْشِد [من الطويل]:

أَلا أيُّها اللاحِي بأن أحْضُرَ الوَغَى ... وأنْ أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدِي (٣)


(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٣٩٤)، والترمذي (١٩٩٥)، وأبو نعيم في الحلية ٣/ ٣٤٤ من طريق محمد المحاربي عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الملك، عن عكرمة، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُمارِ أخاك، ولا تمازحه، ولا تعده موعدًا فتخلفه"، وهو حديث ضعيف لضعف ليث، وضعفه الترمذي فقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه".
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير حديث (١٦٥٨٤)، وابن عدي في الكامل ٥/ ١١٨، من حديث معاذ رضي الله عنه.
وأخرجه الطبراني في الكبير ١٧/ حديث (١٩٠٥٨)، والبيهقي في شعب الإيمان ١١/ ٢٠، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
وأخرجه ابن أبي شيبة (٣٧٠٣١) من طريق عروة بن زويم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، ولا يصح شيء من ذلك.
(٣) البيت لطرفة بن العبد، وهو في ديوانه، ص ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>