للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُتَحَرِّيَها منكم فلْيَتَحَرَّها في ليلةِ سابعةٍ". قال معمرٌ: فكان أيُّوبُ يَغْتَسِلُ في ليلةِ ثلاثٍ وعشرين ويَمَسُّ طِيبًا (١).

وقولُه: "فمن كان منكم مُتَحَرِّيَها" دليلٌ على أن قِيامَ ليلةِ القدرِ فضيلةٌ لا فريضةٌ، وبالله التوفيقُ.

وقال آخرون: إنّما أرادَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقولِه هذا التاسعةَ من العشرِ الأواخِرِ، والسابعةَ منه، والخامسةَ منه. يعْنُون ليلةَ تسعٍ وعشرين، وليلةَ سبعٍ وعشرين، وليلةَ خمسٍ وعشرين. واحْتَجُّوا بقولِه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ عبدِ الله بن دينارٍ، عن ابن عمرَ: "التَمِسُوها في السبعِ الأواخِرِ" (٢). قالوا: فيَدْخُلُ في ذلك ليلةُ تسعٍ وعشرين، فغيرُ نكيرٍ أن تكونَ تلك التاسعةَ المذكورَةَ في الحديثِ. وكذلك تكونُ السابعةُ ليلةَ سبعٍ وعشرين، والخامسةُ ليلةَ خَمْسٍ وعشرين. قالوا: وليس في تقديمِه لها في لفظِه وعَطْفِه ببعضِها على بعضٍ بالواوِ ما يدُلُّ على تقديم ولا تأخير.

قال أبو عُمر: كلُّ ما قالُوه من ذلك يَحْتَمِلُ، إلّا أنّ قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "تاسعةٍ تَبْقَى، وسابعةٍ تَبْقَى، وخامسةٍ تَبْقَى" يقضِي للقولِ الأوَّلِ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "التَمِسُوها في العَشْرِ الأواخرِ، والتَمِسُوها في كلِّ وتْرٍ" (٣). وهذا أعّمُّ من ذلك؛ لِما فيه من الزِّيادَةِ في الليالي التي تكونُ وتْرًا. وفيه دليلٌ على انْتِقالِها، واللهُ أعلمُ، وأنّها


(١) أخرجه أحمد ٨/ ٨٩ (٤٤٩٩)، وابن خزيمة (٢١٨٢)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٣/ ٩١ من طريق أيوب عن نافع، به.
وأخرجه البخاري (٢٠١٥)، ومسلم (١١٦٥) (٢٠٥) من طريق مالك عن نافع، به، وهو في الموطأ بلاغًا (٨٩٥).
(٢) الموطأ (٨٩٢)، وهو في الصحيحين، كما بيناه في تعليقنا عليه.
(٣) أخرجه البخاري (٢٠٢٧) من حديث أبي سعيد الخدري.

<<  <  ج: ص:  >  >>