للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلتُ: يا رسولَ الله، أقْسَمْتُ عليك بحَقِّي عليك لَما أخْبَرْتَني في أيِّ العَشْرِ هي؟ فغَضِبَ غَضَبًا ما رأيتُه غضِب مثلَه (١). قال يحيى: قال عكرمةُ كلمةً لم أحْفَظْها. ثم قال: "التَمِسوهَا في السَّبْعِ البَواقِي، لا تَسَلْني عن شيءٍ بعدَها" (٢).

ففي حديثِ أبي ذَرٍّ هذا ما يَدُلُّ على أنَّها في رمضانَ كلِّه، وأنَّها أحْرَى أنْ تكونَ في العَشْر، وفي السَّبْعِ البَواقِي، وجائزٌ أن تكونَ في العَشْرِ الأوَل، وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥]، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: ١]. وهذا يدُلُّ على أنَّه لا يُدْفَعُ أن تكونَ في رمضانَ كلِّه، واللهُ أعلم. لكنَّها في الوتْرِ مِن العَشْرِ أو السَّبْع (٣) البَواقي تكونُ أكثرَ على ما تدُلُّ عليه الآثار.

وجُمْلَةُ القولِ في ليلةِ القدرِ أنَّها ليلةٌ عَظِيمٌ شَأْنُها وبرَكَتُها، وجَلِيلٌ قَدْرُها، هي خَيْرٌ مِن ألفِ شهر، تُدْرِكُ فيها هذه الأُمَّةُ ما فاتَهم مِن طُولِ أعْمارِ مَن سَلَف قبلَهم مِن الأُمَمِ في العَمَل، والمحرومُ مَن حُرِمَ خيرَها. نسْألُ اللهَ برَحْمَتِه أن يُوَفِّقَنا لها، وألا يَحْرِمَنا خَيْرَها، آمين.

وقال سعيدُ بنُ المسَيِّب رحِمه اللهُ: مَن شَهِد العشاءَ ليلةَ القَدْرِ في جماعَةٍ فقد أخَذَ بَحَظِّه منها (٤)، فسبحانَ المتَفَضِّلِ على عِبادِه بما شاء، لا شريكَ له المانِّ المُفْضِل.


(١) قوله: "مثله" لم يرد في الأصل.
(٢) إسناده ضعيف لجهالة مرثد الزماني، كما بيناه في تحرير القريب (٦٥٤٦).
أخرجه أحمد ٣٥/ ٣٩٣ (٢١٤٩٩)، والنسائي في الكبرى (٣٤٢٧)، والبزار (٤٠٦٨)، وابن خزيمة (٢١٧٠)، والطحاوي في شرح المعاني ٣/ ٨٥، والحاكم ١/ ٤٣٧، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٣٠٧.
(٣) في ف ١: "التسع"، خطأ.
(٤) الموطأ ١/ ٤٣١ (٨٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>