للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكَر الربيعُ، عن الشافعيِّ، في كتابِ "البُوَيْطيِّ" مثلَ ذلك: لا يُقاتَلُ العدوُّ حتى يُدْعَوا، إلَّا أن يُعْجَلُوا عن ذلك، فإن لم يفعَلْ فقد بلَغَتهم الدعوةُ. وحكَى المُزَنِيُّ، عن الشافعيِّ: مَن لم تبلُغْهم الدعوةُ لم يُقاتَلُوا حتى تَبْلُغَهم الدعوةُ؛ يُدْعَون إلى الإيمان. قال: وإن قُتِل منهم أحدٌ قبلَ ذلك، فعلى قاتلِه الديَةُ. وقال المزنيُّ عنه أيضا في موضع آخرَ: من بلَغَتْهم الدعوةُ فلا بأسَ أن يُغارَ عليهم بلا دعوةٍ (١).

وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ: إن دَعَوْهم قبلَ القتالِ فحسنٌ، ولا بأسَ أن يُغِيروا عليهم (٢).

وقال الحسنُ بنُ صالحِ بنِ حيٍّ: يُعجِبُني كلَّما حدَث إمامٌ بعدَ إمامٍ أحْدَثَ دعوةً لأهلِ الشركِ (٣).

قال أبو عُمر: هذا قولٌ حسنٌ، والدعاءُ قبلَ القتالِ على كلِّ حالٍ حسنٌ؛ لأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمُرُ سَراياه بذلك، وكان يدعُو كلَّ مَن يُقاتِلُه مع اشتهارِ كلمتِه ودينِه في جزيرةِ العرب، وعلمِهم بمنابذتِه إيَّاهم، ومحاربتِه لمَن خالَفَه، وما أظُنُّه أغار على خيبرَ وعلي بني المصطَلِقِ إلَّا بإثرِ دعوتِه لهم في فورِ ذلك أو قريبٍ منه مع يأسِه عن إجابتِهم إيَّاه، وكذلك كان تَبييتُه وتبييتُ جيوشِه لمَن بيَّتوا مِن المشركين على هذا الوجه، واللهُ أعلم.

وفي التبييتِ حديثُ الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ (٤)، وحديثُ سلمةَ بنِ الأكوع، قال: أمَّر علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر، فغزَونا ناسًا فبَيَّتْناهم وقتَلناهم. قال:


(١) ينظر المجموع شرح المهذب ١٩/ ٢٨٧ فما بعد.
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي ١٠/ ٦ فما بعد.
(٣) مختصر اختلاف العلماء لأبي جعفر الطحاوي ٣/ ٤٢٥.
(٤) أخرجه البخاري (٣٠١٢)، ومسلم (١٧٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>