ومنهم مَن قال: كانوا لا يَترُكون: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ومنهم مَن قال: كانوا يَفتَتِحون القراءة بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وهذا اضطرابٌ لا تقومُ معه حُجَّةٌ لأحدٍ من الفقهاء.
وقد رُوِيَ عن أنسٍ أنّه سُئِلَ عن هذا الحديث، فقال: كَبِرْنا ونَسِينا.
وقد أوضَحنا ما للعلماءِ في قراءة:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}، في "فاتحة الكتاب " وغيرها بوجوهِ اعتِلالِهم وآثارِهم، وما نَزَعُوا به في ذلك، في كتاب جَمَعْتُه في ذلك؛ وهو كتاب "الإنصاف فيما بينَ علماءِ المسلمينَ في قراءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} في فاتحة الكتابِ من الاختلاف". ومضى في ذلك أيضًا ما يَكْفي ويَشْفي في هذا الكتابِ عندَ قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ مالك، عن العلاءِ بنِ عبدِ الرحمن:"قَسَمْتُ الصلاةَ بيني وبينَ عَبْدِي نَصْفَين؛ فنصفُها لي، ونصفُها لعبدِي، ولعبدِي ما سأل؛ اقرؤوا يقولُ العبدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الحديثَ بتمامِه إلى آخر السورة (١). وهو أقطعُ حديثٍ في تَرْك:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} والله أعلم - لأنَّ غيرَه من الأحاديثِ قد تأوَّلُوا فيها فأكْثَروا التَّشْعِيبَ والمُنازعة، وبالله التوفيق.
قال أبو عُمر: الاختلافُ في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} على أوجه:
أحدُها: هل هي من القرآن في غير سورة "النمل"؟
والآخر: هل هي آيةٌ من "فاتحة الكتاب"، أو هي آية من أوّلِ كلِّ سورةٍ من القرآن؟
والثالث: هل تَصِحُّ الصلاةُ دونَ أن يُقرَأ بها مع "فاتحة الكتاب"؟
والرابع: هل تُقرَأ في النوافل دون الفرائض؟ ونَختصرُ القولَ في القراءة بها هاهنا؛ لأنا قد استَوْعَبْنا القولَ في ذلك كلِّه ومهَّدناه في كتاب "الإنصافِ فيما بينَ العلماءِ من الاختلاف" في ذلك.
(١) سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة العلاء بن عبد الرحمن، وهو في الموطأ ١/ ١٣٤ (٢٢٢).