للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: لم أرَ ذكرَ ما رُوِيَ عن ابنِ عبّاس ومَن تابَعه في الصَّرف، ولم أعُدَّه خِلافًا؛ لما رُوِيَ عنه من رجوعِه عن ذلك. وفي رجوعِه إلى خبر أبي سعيدٍ المُفَسَّرِ وتركِه القولَ بخبر أسامةَ بنِ زيدٍ المُجْمَل، ضروبٌ من الفقهِ ليس هذا موضعَ ذكرِها، ومَن تدبَّرها ووُفِّق لفهمِها أدرَكها، وبالله التوفيق.

وقد رُوِي عن كثير من أصحابِ مالك، وبعضُهم يرويه عن مالك، في التاجرِ يحفِزُه الخروجُ وبه حاجةٌ إلى دراهمَ مضروبةٍ أو دنانيرَ مضروبة، فيأتي دارَ الضَّربِ بفضَّتِه أو ذهبِه، فيقولُ للضَّرَّاب: خُذْ فضَّتي هذه أو ذهبي، وخُذْ قَدرَ عمل يدِك، وادفعْ إليَّ دنانيرَ مضروبةً في ذهبي، أو دراهمَ مضروبةً في فضَّتي هذه؛ لأنِّي محفوزٌ للخروج وأخافُ أن يفوتَني مَن أخرُجُ معه، أنَّ ذلك جائزٌ للضَّرورة، وأنَّه قد عمِل به بعضُ الناس.

قال أبو عُمر: هذا مما يرسلُه العالمُ عن غير (١) تدبُّرٍ ولا رواية، وربَّما حكاه لمعنًى قاده إلى حكايتِه، فيتوهَّمُ السامعُ أنَّه مذهبُه، فيحمِلُه عنه. وهذا عَينُ الرِّبا، لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من زادَ أو ازداد فقد أربى" (٢). وقال ابنُ عُمرَ للصائغ: لا. في مثل هذه المسألةِ سواء، ونهاه عنها، وقال: هذا عهدُ نبيِّنا إلينا، وعهدُنا إليكم. وهذا قد باع فضةً بفضةٍ أكثرَ منها، وأخَذ في المضروبِ زيادةً على غير المضروب، وهو الرِّبا المجتمَعُ عليه، لأنه لا يجوزُ مضروبُ الفضَّةِ ومصوغُها بتبرِها، ولا مضروبُ الذهبِ ومصوغُه بتِبرِه وعينِه إلّا وزنًا بوزنٍ عندَ جميع الفقهاء، وعلى ذلك تواتَرتِ السُّننُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.


(١) في ط: "من غير".
(٢) من حديث أبي صالح عن أبي سعيد الخدري، عند مسلم (١٥٩٦) (١٠١) وغيره، وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>