للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى ذلك ولم يبتغِه. ومثلُ هذا كثيرٌ. ولو لم يكنِ الرِّبا إلّا على من قصَده ما حَرُم إلّا على الفقهاءِ خاصّة، وقد قال عمرُ: لا يَتَّجِرُ في سوقِنا إلّا من فَقُه، وإلّا أكَل الرِّبا. والأمرُ في هذا بيِّنٌ لمن رُزِق الإنصافَ وأُلهِم رُشدَه.

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبد الله، قال: حدَّثنا الميمونُ بنُ حمزةَ الحُسَينيُّ، قال: حدَّثنا الطَّحاويُّ، قال: حدَّثنا المُزَنيُّ، قال: حدَّثنا الشافعيُّ، قال (١): حدَّثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنة، عن وردانَ الرُّوميِّ، أنّه سأل ابنَ عمر، فقال: إنِّي رجلٌ أصوغُ الحَلْيَ ثم أبيعُه، وأستفضِلُ فيه قدرَ أُجرتي أو عملِ يدي. فقال ابنُ عمر: الذَّهبُ بالذَّهبِ لا فضلَ بينهما، هذا عهدُ صاحبِنا إلينا، وعهدُنا إليكم. قال الشافعيُّ: يعني بقوله: صاحبِنا: عمرَ بنَ الخطّاب. قال: وقولُ حُميد، عن مُجاهد، عن ابنِ عمر: عهدُ نبيِّنا. خطأٌ.

قال أبو عُمر: قولُ الشافعيِّ عندي غلطٌ على أصلِه؛ لأنَّ حديثَ ابنِ عُيَيْنة في قوله: "صاحبِنا" مجمَلٌ، يَحتمِلُ أن يكونَ أراد رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الأظهَرُ فيه، ويحتمِلُ أن يكونَ أراد عُمرَ، فلمّا قال مُجاهد، عن ابنِ عمر: هذا عهدُ نبيِّنا. فسَّر ما أجمَل وردانُ الرُّوميُّ. وهذا أصلُ ما يَعتمِدُ عليه الشافعيُّ في الآثار، ولكنَّ الناسَ لا يسلَمُ منهم أحد من الغَلَط، وإنّما دخَلتِ الداخلةُ على الناسِ من قِبلِ التَّقليد؛ لأنَّهم إذا تكلَّم العالمُ عندَ من لا يُنْعِمُ النَّظرَ بشيءٍ كتَبه وجعَله دِينًا يرُدُّ به ما خالَفه دونَ أن يعرِفَ الوجهَ فيه، فيقعُ الخللُ، وبالله التوفيق.


(١) في السنن المأثورة (٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>