للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكَرْنا الاختلافَ في لباسِ الثِّيابِ المزعْفَرَةِ للرِّجال فيما تَقدَّمَ من كتابِنا هذا، في باب حُمَيْدٍ الطَّويل، وسيأتي منه ذِكْرٌ صالحٌ في بابِ سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ إن شاءَ الله.

قالوا: وما رُوِيَ عن عُمرَ رحمه الله في كراهِيَتِه للطِّيبِ على المُحْرِم، فيَحتَمِلُ أن يكونَ لئلّا يراه جاهِلٌ فيَظُنَّ أنّه تَطيَّبَ بعدَ الإحْرام، فيَسْتَجِيزَ بذلك الطِّيبَ بعدَ الإحْرام، وكان عمرُ كثيرَ الاحتياطِ في مثل هذا، ألا تَرى أنّه نَهى طلحةَ بنَ عبيدِ الله عن لُبْسِ الثوبِ المَصْبوغ بالمدَرِ خَوْفًا أن يَراه جاهلٌ فيَسْتَجِيزَ بذلك لُبسَ الثِّيابِ المصَبَّغة (١). قالوا: وفي لفظِ عمرَ لمعاوية: "عزَمتُ عليك لَتَرْجِعَنَّ إلى أُمِّ حَبيبةَ فلتغسِلنَّه عنك" (٢)، دليلٌ على أنه لم يكن ذلك عندَه محرَّمًا؛ لأنَّ مَن أتى ما لا يَحِلُّ ليس يُقالُ له: عَزَمْتُ عليك لَتَترُكَنَّ ما لا يَحِلُّ لك. لا سيَّما في عُمرَ ومعاوية، فقد كان عمرُ يَضرِبُ بالدِّرر على أقلَّ من هذا أجَلَّ من معاويةَ وأسَنَّ. قالوا: ولو صَحَّ عن عُمرَ ما ذهَب إليه من كراهيةِ الطيبِ عندَ الإحرام لم تكنْ فيه حُجَّةٌ؛ لوُجودِ الاختلافِ بينَ الصحابةِ في ذلك، والمصيرُ إلى السُّنَّةِ فيه.

روَى سفيانُ بنُ عُيَيْنة، عن عَمْرو بنِ دينار، عن سالم بنِ عبدِ الله، أنّه ذكَر قولَ عمرَ في الطِّيب، ثم قال: قالت عائشة: أنا طيَّبتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لإحْرامِه (٣). قال سالمٌ: وسُنّةُ رسولِ الله أحَقُّ أن تُتَّبَع.

وروَى الثوريُّ، عن منصور، عن سعيدِ بنِ جبير، قال: كان ابنُ عُمرَ لا يَدَّهِنُ إلّا بالزَّيْتِ حين يُريدُ أن يُحْرِم. قال منصور: فذكَرْتُ ذلك لإبراهيم،


(١) سيأتي في باب نافع إن شاء الله تعالى، وهو في الموطأ ١/ ٤٣٨ (٩٠٩).
(٢) الموطأ ١/ ٤٤٣ (٩٢٢)، وسيأتي شرحه في باب نافع إن شاء الله تعالى.
(٣) تقدم تخريجه والكلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>