للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعَدَّ ذلك مَعَدَّ لِباسِ القَلَنسُوة. وكذلك مَن تردَّى بإزارٍ وجَلَّلَ به بدَنَه، لم يُحْكَمْ له بحُكْم لِباسِ المخيط. وفي هذا دَليلٌ على أنَّه إنّما نُهِيَ عن إلباسِ الرَّأسِ القَلَنْسُوَةَ في حال الإحْرام اللِّباسَ المعهود، وعن لباسِ الرجل القَميصَ اللَّباسَ المعهود، وعُلِمَ أنَّ النَّهيَ إنَّما وَقَعَ في ذلك وقُصِدَ به إلى مَن قَصَدَ وتَعَمَّدَ فِعْلَ ما نُهِيَ عنه من اللِّباسِ في حال إحْرامِه اللِّباسَ المعهودَ في حال إحْلالِه، فخَرجَ بما ذكَرْنا ما أصابَ الرأسَ من القميصِ المَنْزوع. هذا ما يُوجبُه النَّظرُ إن شاء الله.

وأما قوله: "وافْعَلْ في عُمْرَتِك ما تَفعَلُ في حَجِّك". فكلامٌ خرجَ على لفظِ العُموم والمُرادُ به الخُصوص. وقد تبَيَّنَ ذلك في سِياقَةِ ابنِ عُيَيْنة له عن عَمْرو بنِ دينار، حيث قال: فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما كنتَ تَصنَعُ في حَجِّك؟ " قال: كنتُ أنزعُ هذه - يعني الجُبّة - وأغْسِلُ هذا الخَلُوق. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما كُنتَ صانِعًا في حَجِّك، فاصْنَعْه في عُمْرَتِك". أي: من هذا الذي ذكَرْتَ من نَزْع القَميص، وغَسْل الطِّيب. فخرَج كلامُه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ مالك وما كان مثلَه على جواب السائل فيما قصَدَه بالسُّؤال عنه.

وهذا إجماعٌ من العلماء، أنَّه لا يَصْنَعُ المعتَمِرُ عَملَ الحجِّ كلَّه، وإنَّما عليه أن يُتِمَّ عَملَ عُمْرَتِه، وذلك: الطَّوافُ، والسَّعْيُ، والحِلاقُ، والسُّننُ كلّها.

والإجماعُ يَدُلُّك على أنَّ قولَه في هذا الحديث: "وافْعَلْ في عُمْرَتِك ما تَفْعَلُ في حَجِّك" كلامٌ ليس على ظاهرِه، وأنّه لَفظُ عُموم أُرِيدَ به الخُصُوص على ما وَصَفْنا من الاقتِصارِ به على جوابِ السَّائل في مُرادِه، وبالله التوفيق (١).


(١) إلى هنا ينتهي المجلد الأول من نسخة الأصل، وجاء في آخره: "تم السفر الأول من كتاب التمهيد بحمد الله وعونه، يتلوه إن شاء الله تعالى حديث رابع لحميد بن قيس منقطع، والله المعين برحمته" وفي الحاشية: "بلغت المقابلة بحمد الله وحسن عونه"، وفي أسفل الورقة: "قابلته والأصل المنتسخ منه وبنسخة أخرى والحمد لله".
ومعلوم أن المجلدين الثاني والثالث من هذه النسخة النفيسة لم نقف عليهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>