للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمّا لم يكن لهم حجة اتضح فيما ادعوه كذبهم، فمن اكتفى بنفي القالة دون ما يشهد لقوله من أدلته فهو معلول فى نحلته.

«فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟» فمن ذكر فى الدّين قولا لم يؤيّد ببرهان عقلى أو نقلى فهو مفتر، ومن أظهر من نفسه حالا لم يوجبه صدق مجاهدته أو منازلته فهو على الله مفتر. والذي يصدق فى قوله- فى هذه الطريقة- فهو الذي يسمع من الحق بسرّه، ثم ينطق بلفظه «١» .

قوله جل ذكره:

[[سورة الكهف (١٨) : آية ١٦]]

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦)

العزلة عن غير الله توجب الوصلة بالله. بل لا تحصل الوصلة بالله إلا بعد العزلة عن غير الله.

ويقال لما اعتزلوا ما عبد من دون الله آواهم الحقّ إلى كنف رعايته، ومهد لهم مثوى فى كهف عنايته.

ويقال من تبرّأ من اختياره فى احتياله، وصدق رجوعه إلى الله فى أحواله، ولم يستعن- بغير الله- من أشكاله وأمثاله آواه إلى كنف أفضاله، وكفاه جميع أشغاله، وهيّأ له محلّا يتفيؤ فيه فى برد ضلاله، بكمال إقباله.

قوله جل ذكره: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ «٢» عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ


(١) هذا رأى على جانب كبير من الخطورة فى قضية هامة من قضايا التصوف، كانت لها في بعض الأحيان عواقب جسيمة: وهى هل يفصح الصوفي الواله أم يكتم؟ ونلاحظ أنى القشيري ربط القضية بعنصر أساسى هو الصدق ...
(٢) نزاور من الزور وهو الميل، والزور الميل عن الصدق.

<<  <  ج: ص:  >  >>