للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسخ هذه الأمة حصل على القلوب، فكما أنهم لما تركوا الأمر واستهانوا بما ألزموا به من الشرع- عجلت عقوبتهم بالخسف والمسخ وغير ذلك من ضروب ما ورد به النّصّ، فهذه الأمة من نقض العهد ورفض الحدّ عوقبت بمسخ القلوب، وتبديل الأحوال، قال تعالى: «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ «١» » وعقوبات القلوب أنكى من عقوبات النفوس، وفى معناه أنشدوا:

يا سائلى: كيف كنت بعده؟ ... لقيت ما ساءنى وسرّه

ما زلت أختال فى وصالى حتى ... أمنت من الزمان مكره «٢»

طال علىّ الصدود حتى ... لم يبق مما شهدت ذرّة

قوله جل ذكره:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٦٦]]

فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)

هكذا من منى بالهجران، ووسم بالخذلان صارت أحواله عبرة، وتجرّع- من ملاحظته لحاله- عليه الحسرة، وصار المسكين- بعد عزّه لكلّ خسيس سخرة. هكذا آثار سخط الملوك وإعراض السادة عن الأصاغر:

وقد أحدق الصبيان بي وتجمعوا ... علىّ وأشلوا بالكلاب ورائيا

قوله جل ذكره:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨)

كان الواجب عليهم استقبال الأمر بالاعتناق ولكنهم تعللوا ببقاء الأشكال توهما بأن يكون لهم ( ... ) «٣» تفضى بالإخلاد إلى الاعتدال «٤» عن عهدة الإلزام فتضاعفت عليهم المشقة وحلّ بهم «٥» ما حذروه من الافتضاح.

[فصل] ولما قال إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك، أي ليست بفتية ولا مسنّة بل هى بين السّنّين. حصلت الإشارة أن الذي يصلح لهذه الطريقة من لا يستهويه


(١) سورة الأنعام آية ١١٠. [.....]
(٢) ورد في البيت (أحتال) و (وجال) و (أتيت) من الزمان وقد أصلحنا ليستقيم المعنى والوزن.
(٣) سقطت هنا لفظة من الناسخ وهو ينتقل من ورقة إلى أخرى
(٤) الاعتدال هنا بمعنى العدول عن الشيء.
(٥) وردت (وجلبهم) وهى غير ملائمة للمعنى والسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>