للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيّن- سبحانه- أن الجدال منهم عادة وسجيّة، ففى كل شىء لهم جدال واختيار فكرهوا خروجه إلى بدر، كما جادلوا فى حديث الغنيمة، قال تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ» .

وما يكون من خصال العبد غير متكرر ويكون على وجه الندرة كان أقرب إلى الصفح عنه والتجاوز، فأمّا إذا صار ذلك عادة فهو أصعب.

ويقال ما لم تباشر خلاصة الإيمان القلب لا يوجد كمال التسليم وترك الاختيار، ومادام يتحرك من العبد عرق فى الاختيار فهو بعيد عن راحة الإيمان.

ولقد أجرى الله سنّته مع أوليائه، وكذلك كانت سنّته مع أنبيائه ألا يفتح لهم كمال النّعمى إلا بعد مفارقة مألوفات الأوطان، والتجرد عن مساكنة ما فيه «١» حظ ونصيب من كل معهود ويقال إن فى هجرة الأنبياء- عليهم السّلام- عن أوطانهم أمانا لهم من عادية الأعادى، وإحياء لقلوب قوم تقاصرت أقدامهم عن المسير «٢» إليهم.

وكذلك هجرة الأولياء من خواصه فيها لهم خلاص من البلايا، واستخلاص للكثيرين من البلايا.

قوله جل ذكره:

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٦]]

يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)

جحود الحقّ بعد وضوح برهانه علم «٣» لاستكبار صاحبه، وهو- فى الحال- فى وحشة غيّه، معاقب بالصّد وتنغّص العيش، يملّ حياته ويتمنى وفاته «كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» .

قوله جل ذكره:

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٧]]

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)


(١) وردت (ما لم فيه) وربما كانت (ما لهم فيه)
(٢) وردت (المصير) والصحيح (مسير) الذين لم تتح لهم فرصة الانتقال إلى أماكن الأنبياء.
(٣) ضبطنا (علم) هكذا لكى تؤدى معنى (علامة) على الاستكبار، فهكذا يتطلب السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>