وفيه أيضا إشارة إلى الدعاء إلى الخلق، والتجاوز عن الخصم، فإن الله- سبحانه- لم يسلبهم ما أولاهم مع قبيح ما ارتكبوه من التقصير فى حقوقه.
قوله:«سَنَكْتُبُ ما قالُوا» : هذه الكلمة من موجبات الخجلة لأهل التقصير بأدقّ إشارة يعنى أنهم وإن نسوا أحوالهم وأقوالهم فإنا ننشر لهم ما كتبنا عليهم قال قائلهم:
سأصبر حتى يجمع الله بيننا ... فإن نلتق يوما فسوف أقول
قوله: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ هذا لو كان من مخلوق مع مخلوق لأشبه العذر مما عمله به، فكأنه- سبحانه- يقول:«عبدى: هذا الذي تلقاه- اليوم- من العقوبة لأن الذنب لك، ولو لم تفعله لما عذّبنك» .
تقوّلوا على الله- سبحانه- فيما تعللوا به من ترك الإيمان، فقالوا: لقد أمرنا ألا نصدّق أحدا إلا لو أتانا بقربان يتقرب به إلى السماء، وتنزل نار من السماء، فتأخذ القربان عيانا ببصر، فقال تعالى: قل لهم إن من تقدّمنى من الأنبياء عليهم السّلام أتوكم بما اقترحتم على من القربان، ثم لم تؤمنوا، فلو أجبتكم إليه لن تؤمنوا بي أيضا فإن من أقصته السوابق- فلو خاطبته الشمس بلسان فصيح، أو سجدت له الجبال فرآها بلحظ صحيح- لم يلج العرفان فى قلبه، وما ازداد إلا شكا على شك.