وتوارث الأنبياء واحدا بعد الآخر تلك العصا، فلمّا أخرج موسى تلك العصا، قال شعيب:
ردّها إلى البيت، واطرحها فيه، وأخرج عصا أخرى، ففعل غير مرة، ولم تحصل كلّ مرة فى يده إلا تلك العصا، فلمّا تكرّر ذلك علم شعيب أنّ له شأنا فأعطاه إياها، وفي القصة: أنه في اليوم الأول ساق غنمه، وقال له شعيب: إنّ طريقك يتشعب شعبين:
على أحدهما كلا كثير.. فلا تسلكه في الرعي فإنّ فيه ثعبانا، واسلك الشّعب الآخر.
فلمّا بلغ موسى مفرق الطريقين، تفرّقت أغنامه ولم تطاوعه، وسامت في الشّعب الكثير الكلأ، فتبعها، ووقع عليه النوم، فلمّا انتبه رأى الثعبان مقتولا، فإن العصا قتلته، ولمّا انصرف أخبر شعيبا بذلك فسرّ به. وهكذا كان يرى موسى في عصاه آيات كثيرة، ولذا قال:«وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى» .
مضت عشر حجج، وأراد موسى الخروج إلى مصر، فحمل ابنه شعيب، وسار بأهله متوجّها إلى مصر. فكان أهله في تسييره وكان هو في تسيير الحقّ، ولمّا ظهر ما ظهر بامرأته من أمر الطّلق استصعب عليه الوقت، وبينا هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا- أي أبصر ورأى- فكأنه يشير إلى رؤية فيها نوع أنس: وإنّ الله إذا أراد أمرا أجرى ما يليق به، ولو لم تقع تلك الحالة لم يخرج موسى عندها بإيناس النار، وقد توهّم- أول الأمر- أنّ ما يستقبله في ذلك الوقت من جملة البلايا، ولكنه كان في الحقيقة سبب تحقيق النبوة. فلولا أسرار التقدير- التي لا يهتدى إليها الخلق- لما قال لأهله: